في حين خلفت مياه الأمطار التي هطلت أخيرا وتحولت في بعضها إلى سيول، أضرارا تفاوت مداها، وتشوها بصريا في بعض محافظات ومناطق المملكة، شكلت الأمطار التي هطلت على المدينة المنورة أخيراً لوحات جمالية بديعة على «وادي العقيق» وحوّلته وجهة للسياح والمصورين الذين تسابقوا لتوثيق مشهد الوادي المبارك بعد الأمطار.

صديق للبيئة

كانت هيئة تطوير المدينة المنورة قد نفذت المراحل الأولى من مشروع التأهيل البيئي لوادي العقيق، وتحسين المحيط العمراني على ضفافه بما يتناسب مع هويته التاريخية، وأنشأت على أطرافه (ضفافه) ممشى رياضيا بطول 1600 متر.

وبينت أنها تهدف إلى تحويل الوادي إلى متنزه صديق للبيئة، يخدم سكان وزوار المدينة المنورة، كما هدفت من المشروع إلى استعادة الهوية التاريخية للوادي المبارك، وفقاً لمعدلات التنمية البيئية، وتحويله إلى مصرف طبيعي لمياه الأمطار والسيول في المدينة المنورة تبلغ مساحته 220.822 م2، ويتكون المشروع من 13 إطلالة على الوادي ومنطقة تاريخية و28 جلسة للتنزه وحواجز جمالية ونخيل.

شهرة ومكانة

يعد وادي العقيق من أشهر أودية المدينة المنورة، حيث ارتبط اسمه بالسيرة النبوية العطرة، ما ميزه عن غيره من الأودية وأكسبه الشهرة والمكانة في نفوس المسلمين.

ولوادي العقيق ارتباط وثيق بتاريخ المدينة المنورة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وكان في بعض العهود الماضية دائم الجريان، ونشأت قربه المزارع والحصون والبساتين، وبنيت على ضفافه القصور التي يشكل بعضها متاحف وآثارا تاريخية حتى اليوم.

المائي والزراعي

الوادي - بحسب مؤرخين - شكل بالنسبة لأهالي المدينة المنورة أحد أهم مصادر المياه العذبة والغذاء، حيث زرع بأشجار النخيل والأشجار المثمرة الأخرى والمسطحات الخضراء التي يتخللها مسيل مائي واسع شبه متعرج، نشأت بالقرب منه مزارع خصبة تغطيها أشجار النخيل، فضلاً عن الحدائق التابعة للقصور، مما جعل الوادي في القدم شريان حياة ووجهة لأهالي وزوار المدينة.

التاريخ والحضارة

يجد هواة التاريخ والتراث في الوادي المبارك ضالتهم، فعلى امتداده على طول 80 كلم، باعتباره من أهم المواقع الأثرية لمكانته وارتباطه بالسنة النبوية وماضيه الضارب في القدم، حيث يجد الباحث فيه قصورا وحصونا وآبارا وبساتين أثرية ترك القدماء حولها آثارهم ونقوشهم، وهي تعد اليوم كنوزا أثرية من بينها قصر عروة بن الزبير وميقات ذي الحليفة ومنطقة آبار علي التاريخية.

ويعد العقيق من أشهر أودية منطقة المدينة المنورة، إذ تتزين ضفتاه بكتابات ونقوش تاريخية تدل على وجود استيطان بشري موغل في القدم، كما تقف على أرضه قصور أثرية ترجع للعصرين الأموي والعباسي، أبرزها قصور سعيد بن العاص، ومروان بن الحكم، وسكينة بنت الحسين، وسعد بن أبي وقاص، وقصر عروة بن الزبير الذي ما زالت بعض مبانيه قائمة حتى الآن.

أسرة الوادي المبارك

على ضفاف وادي العقيق كانت بداية أول حركة أدبية في المدينة المنورة، حيث كان الوادي قبلة المثقفين والأدباء والشعراء الذين أسسوا الحركة الثقافية الحديثة في المدينة المنورة، ومنهم من عرفوا بـ«أسرة الوادي المبارك» الذين قام على أكتافهم نادي المدينة المنورة الأدبي عام 1395 للهجرة.

وبحسب المؤرخين المتابعين للحركة الثقافية في المدينة، فإنّ وادي العقيق شكل محطة التقاء المثقفين والصحافيين والشعراء، حيث كانوا على موعد يومي فيه في السادسة مساء لفتح السجالات الشعرية و الثقافية، ومناقشة ونقد ما يصدر من ثقافات العالمين العربي والإسلامي، خصوصاً تلك التي يصدرها المثقفون والشعراء في مصر ولبنان.

الهندسة والعمار

تخطف أنظار المتجول على امتداد وادي العقيق تلك المباني أثرية ذات التصميمات المعمارية اللافتة، المستوحاة من الحضارة العربية الإسلامية، وقد قامت هيئة الآثار أخيراً بإعادة ترميمها بعد أن حافظت على تصميمها المعماري القديم.

ويضم الوادي معالم سياحية تاريخية عدة منها قصور أثرياء وأمراء والقصور الملكية السعودية والجامعة الإسلامية.

ونظرا لأهمية الوادي للمنطقة أطلقت هيئة تطوير منطقة المدينة المنورة مشروعا لتأهيله بيئيا، وتحقيق التوازن بين البيئة العمرانية والموارد الطبيعية، وتطوير مناطق عدة على ضفافه.