بل إن البعض لديه تناقض غريب آخر، لو سأل صحفي أجنبي خصوصا إذا كان من ذوي العيون الزرقاء والشعر الأشقر سؤالا صعبا، فإن الرد يكون مفصلا، وفيه مدح واحترام للصحفي، وأن الصحافة العالمية تعرف تسأل ودليل على احترافية الصحفي الخ، ولو سأل صحفي من ربعنا السؤال نفسه حرفيا، يتغير وجه المسؤول ويزبد ويرعد، وربما أوصى فريقه الإعلامي والعلاقات العامة بعدم دعوة الصحفي لمناسبات إدارته!
هل يريدون من الإعلامي أو الصحفي السعودي أن يسألهم أسئلة معلبة أكل عليها الدهر وشرب من قبيل «ما شعورك في هذه المناسبة، أو ما أكلتك المفضلة؟»، وعندما يسأل مثل هذه الأسئلة، داخليا يقولون الإعلام السعودي ضعيف وأسئلته باهتة مكررة! «ارسوا لكم على بر»، هل ترغبون بصحفي محترف يسأل الأسئلة التي يجب أن تسأل وينتقد باحترافية أم تفضلون نصف إعلامي متسلق، متملق، يريد حضور المناسبات، ويجيد العزف والطرق على الطبلة، ومن الصعوبة بمكان جينيا، نلقى واحدا من ربعنا شعره أشقر علشان يبسطكم سؤاله!
كتبنا كثيرا من المقالات خلال الفترة السابقة، عن بعض المسؤولين في الإدارات الحكومية التي جيرت وخصصت أقسامها القانونية لملاحقة الإعلاميين ووسائل الإعلام الذين ينتقدون عمل الإدارة أو عمل المسؤول. صارت شغلة بعض الأقسام القانونية، مطاردة الصحفيين والإعلاميين في المحاكم واللجان القضائية، لأنه انتقد بل إن بعض المسؤولين يصر على متابعة القضايا رغم أنها خسرانة من جهته ويستأنف الأحكام، من باب نخلي الصحفي يطارد في المحاكم والاستئناف، علشان ما يعيدها، وحتى نربي غيره ما ينتقدنا. طبعا هو– أي المسؤول- جالس في مكتبه، والأقسام القانونية بما لديها من موارد تلاحق القضية، فالخاسر واللي يضيع وقته وجهده وربما ماله هو الصحفي أو الإعلامي المسكين!
سألت السؤال هذا عدة مرات في المقالات، هل يجوز تجيير موارد الإدارات الحكومية التي هي موارد الدولة، من أجل الدفاع عن كلام أو أداء مسؤول قابل للنقد والتقييم؟ لكن لا إجابة، وكنت أتمنى من الإخوان في مكافحة الفساد أن يجيبوا على الموضوع.
لماذا لا يحضر المسؤول نفسه، ولماذا لا يدفع من جيبه إذا أراد استئناف قضية خسرانة أو منذ البداية تذهب القضية للجنة للبت فيها إذا كان الموضوع تحت حرية الصحافة أو النقد البناء، فيقفل الباب أو غ
إذا كان فيه تطاول شخصي أو خطأ واضح تذهب للمحاكم.
للأسف أصبح عديد من الإعلاميين والصحفيين الجدار القصير بعد أن كان السلطة الرابعة كما يطلق على الصحافة، بدل أن يصبح الإعلام عينا موضوعية خارجية، تساعد بعض المسؤولين لتعديل الأخطاء، أصبح يلاحق منهم.
وللأسف لم يجدوا الدعم اللازم من صحفهم أو مؤسساتهم الإعلامية أو حتى جمعياتهم، بينما الموارد متوفرة لبعض المسؤولين للمطاردة.
صراحة نتطلع من وزارة الإعلام المزيد
من الدعم والحماية لتطوير الإعلام والصحافة والصحفيين، خصوصا في وجود وزير مخضرم مثل الدكتور ماجد القصبي الذي لديه مكانة رفيعة عند الإعلاميين والمسؤولين، مما يؤهل الوزارة لتكون جسرا بين الطرفين، بدل المعادلة الحالية، فبعض المسؤولين «أنت حبيبه ما دامك ما تقرب من قريصه».
حتى الإعلاميون المتميزون لم يسلموا من المضايقات! كنت في حديث قبل فترة مع الصديق والزميل الإعلامي مطلق البقمي، وأبو باسل رجل هناك شبه إجماع في الإعلام على أنه خط لنفسه خطا مميزا واستثنائيا، وأصبح مصدرا ومرجعا للصحافة المحلية والدولية باحترافيته وتميز أخباره، وتوقعت أن لديه دعما هائلا نتيجة جودة الأخبار والتحاليل والتقارير الصحفية التي تخرج منهم، فإذا بي أفاجأ أنه حتى أبو باسل يشكو من التضييق ووضع العراقيل. ما عاد الواحد صار يفهم بعض المسؤولين! إذا اشتغل الصحفي باحترافية وواقعية ودون ميول ودون أجندة ما يعجبهم ويزعلون، وإذا اشتغل الإعلامي سلق بيض وتملق قالوا إعلام باهت وقص ولزق وما فيه روح إبداعية وابتكار، وسأستعير كلمة الأمير عبدالعزير بن سلمان من مسرحية عادل إمام «يا تنتن يا تنتن» فالموضوع يا كذا أو كذا! مستحيل تلقى صحفيا محترفا ومبدعا في النهار، ومتملقا وطبالا في الليل!