غالبًا نتفق أن الحدث المؤثر في 2022 كان الغزو الروسي لأوكرانيا، لم تكن تبعاته الجيوسياسية والاقتصادية محدودة على أوروبا فقط، بل تأثر بها كل إنسان يعيش على هذه الأرض.

وفي غفلة من سكان هذا الكوكب الجميل، تجاوز العالم رسميًا 8 مليارات نسمة مع تركيز على وتيرة النمو السكاني الهندي الذي سيتجاوز هذا العام عدد سكان جمهورية الصين.

زمجر الغرب بسبب الغزو الروسي الذي كان من الممكن في ظنّي تلافيه بالطرق الدبلوماسية وفرض العقوبات الاقتصادية والسقف السعري على منتجات النفط والغاز الروسية، فارتفعت أسعار النفط والغاز حيث بقي النفط لمدة خمسة أشهر متوالية فوق مستوى المائة دولار للبرميل. في منتصف الصيف وبعد القرارات المنضبطة لتحالف أوبك بلص الاقتصادي قررت الولايات المتحدة سحب كمية من المخزونات فتراجعت الأسعار قليلًا مع تراجع مصاحب في الطلب الصيني نهاية العام نتيجة الإغلاقات.

عادت أوروبا لتشتري الغاز المسال من أمريكا بأسعار مضاعفة عن تلك التي كانت تشتريها من روسيا، وقامت الدول الأوروبية بزيادة الاعتماد على الفحم الحجري والغاز لإنتاج الطاقة، صاحبه خطط تخزين طويل الأمد لتجاوز عام 2023 بنجاح دون الارتهان لحالة عدم اليقين في الصراع القائم.

لو نظرنا إلى خريطة الكرة الأرضية، لرأينا أن معظم مصادر الطاقة والغذاء تتركز في كل من روسيا، الشرق الأوسط، أفريقيا وكلها مناطق شاسعة ذات كثافة سكانية منخفضة مقارنة بالمناطق الأخرى التي تفتقر لتلك المصادر مثل الصين والهند وأوروبا وأمريكا الجنوبية.

الآن ونحن في بداية العام 2023، لنلتفت إلى الوراء لنرى ما هي نتائج كل ما قام به العالم في سبيل حماية كوكب الأرض من خطر الاحتباس الحراري والوصول إلى خططه نحو الحياد الكربوني قبل نهاية القرن.

ارتكب العالم خطأً كبيرًا في العودة لاستخدام الفحم الحجري وصناعته، حيث تم تسجيل أكثر من ثلاث حوادث كبرى لتسرب غازات الميثان المصاحبة لعمليات استخراج الفحم الحجري، والميثان غاز مؤذٍ للبيئة بأكثر من 80 ضعفًا مقارنة بغاز ثاني أكسيد الكربون.

أدت هذه العودة لاستخدامات الفحم الحجري تحديدًا في أوروبا، وأمريكا، والصين، والهند، وأستراليا إلى زيادة معدلات انبعاثات الغازات الدفيئة GHG إلى مستوى هو الأعلى تاريخيًا عند 58 مليار طن متري من الغازات الكربونية موزّعة على النحو التالي (41 مليار طن متري من ثاني أكسيد الكربون CO2 و 17 مليار طن متري من غاز الميثان CH4). لهذا لم تُظهر التوقعات العلميّة أي تغير لمصلحة المناخ بشأن انخفاض درجة حرارة الكوكب عمومًا.

ورغم الجهود الحثيثة للعالم، بلغ إجمالي إنتاج الطاقة المتجددة عالميًا 460 تيرا واط في الساعة بنسبة 10% من إجمالي الطاقة المنتجة في 2022 على أن يتم رفع هذه الكمية إلى 650 تيرا واط في الساعة في العام 2023 ولكن بنفس النسبة %10 تقريبًا نظرًا للزيادة المتوقعة في إجمالي الطاقة المنتجة هذا العام. وهو ما يعني التحرك الحذر من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين والهند ودول أوروبا للاعتماد على تلك المصادر المتجددة لأسباب جيوسياسية واقتصادية. لهذا يمكن فهم أن السياسات الحكومية لتلك الدول ليس قائمًا على هدف واحد فقط وهو حماية كوكب الأرض، بل أيضًا من أجل حماية مصالحها الاقتصادية كدول مستقلة وعدم اعتمادها على مصدر واحد من مصادر الطاقة.

رغم جاذبية تلك الخطوات من الناحية الإعلامية وإثارتها للمشاعر الإيجابية لدى الرأي العام، إلا أنها أثبتت أنها تضر بالعالم في سبيل تحركه لحماية الكوكب والوصول للحياد الكربوني، حيث رفعت معدلات انبعاثات الكربون إلى أعلى مستوياته تاريخيًا في 2022، في حين لا تزال أوروبا وأمريكا تحديدًا تستخدمان نفس السياسات بشأن فرض غرامات مالية على المنتجات الكربونية الواردة لأوروبا والدفع بالأموال لدعم الصناعات المتعلقة بالطاقة النظيفة فقط، وكذلك الدفع للدول الفقيرة في إفريقيا للتنقيب عن المزيد من المعادن لاستخدامها في صناعات الطاقة المتجددة وهذه التنقيبات تبعث المزيد والمزيد من الكربون للفضاء في تعتيم إعلامي متعمد. فنحن سكان العالم لا يهمنا أن تصل فرنسا مثلًا للحياد الكربوني الصفري على حساب دول إفريقية تبعث كربوناتها إلى الفضاء بشكل غير مسؤول؟ فالعالم كتلة واحدة جديرة بالعناية الواحدة.

ختامًا، يجب على الرأي العام العالمي استيعاب أن الحل السليم يكمن في خطوتين أساسيتين إحداهما تضمن الأمن الاقتصادي والجيوسياسي للدول (لنتجاوز أزمة مثل أزمة روسيا-أوكرانيا) وهي خطوة تطبيق مفهوم خليط الطاقة، أي باستخدام منتجات الطاقة المختلفة لتأمين توفير الطاقة للمواطن العادي بسعر معقول مع توزيع خيارات الحكومات للشراء والبيع.

والخطوة الثانية تضمن الأمن البيئي والمناخي للعالم، وهي التركيز على تطوير تقنيات التقاط الكربون وتدويره وإعادة استخدامه CCU. وبغير هذه الخطوات لا أعتقد أن العالم سيتقدم في سبيل أهداف الحياد الكربوني ولا حتى لتأمين مصادر الطاقة.