(اللي عندها بنت في أولى متوسط لا تخلي المدرسة تعطيها لقاح الورم الحليمي، وإذا وحدة فيكم في قروب عندهم أولى متوسط أرسلوها.. عشان ربي لا يحاسبكم يوم القيامة.. اللهم بلغت اللهم فاشهد).

هذه النصيحة التي توجل القلوب، وتربك العقول، تداولها الناس، بهذه الصيغة، باللهجة والكلمات ذاتها، وحينما أقول (ناس)، فأنا أعني بالفعل كل الناس، بمستوياتهم كافة، لا تتعجبوا إن قلت (من بينهم طبيب)! مجرد رسالة وصلته، ارتعدت فرائصه، فلم يجد بدًا من إرسالها لغيره، عملًا بتوصياتها، خوفًا من أن يُعاقب يوم الحساب إن لم يفعل، خاف أن تقف شاهدة عليه. لكن، التحذير من ماذا! ولماذا! الخوف وحده لا يبرر العمل، علينا أن نفكر قبل أي فعل، عن جدوى ذلك، عن صحته، وأثره.

لماذا يقاوم الناس كل ما هو جديد، دون أن يجربوه أو يعرفوه حق المعرفة! مقاومة معروفة عند البشر، ولا أبالغ إن قلت في أغلب الكائنات الحية. كل المخلوقات تحتاج وقتًا للتعود على كل دخيل عليهم، مشكلة البعض حينما يجهلون شيئًا، يخافونه فإذا خافوه، نشروا حوله الأساطير تبريرًا لخوفهم، والإشاعات التي تجعله أكثر رعبًا.

لقاح (فيروس الورم الحليمي البشري)، يتخيل البعض لو أن الفتيات تلقين هذا اللقاح يسبب لهنّ العقم، وآخرون ظنوا أنه يسبب التشوهات الخلقية لدى مواليدهن إن هنّ استطعن الإنجاب، والبعض ظن أن اللقاح يخص مجتمعا دون آخر، حيث العلاقات الجنسية المتعددة وغير الشرعية، وبالتالي تزداد نسبة الإصابة به.

عدوى فيروس الورم الحليمي البشري، تُعد الأكثر شيوعًا بالجهاز التناسلي، هناك أكثر من 100 نوع من فيروس الورم الحليمي يمكن أن تؤدي إلى ظهور ثآليل على الأعضاء التناسلية، أو خلايا غير طبيعية في عنق الرحم، أو سرطان عنق الرحم. ينتقل هذا الفيروس بواسطة التلامس الجلدي، وقد ينتقل حتى إذا لم تظهر على الشخص المصاب أي علامات، أو أعراض. لا يوجد علاج للفيروس نفسه ولكن تُعالج مضاعفاته، مثل إزالة الثآليل، كذلك علاج أي تغيرات في خلايا عنق الرحم، بينما سرطان عنق الرحم يكون أكثر قابلية للعلاج إذا اكتشف وشُخص مُبكرًا، ويعد هذا السرطان هو السرطان الرابع الأكثر شيوعًا بين النساء في العالم، وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، بلغت وفياته نحو 342000 وفاة في 2020، %90 تقريبًا من الحالات الجديدة والوفيات كانت في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وهدفت المنظمة إلى أن تقل نسبة إصابة النساء بهذا النوع من السرطانات سنويًا إلى 4 من كل 100000 سيدة بحلول 2030 وذلك بتطعيم %90 من الفتيات بلقاح الفيروس قبل بلوغهن الخامسة عشرة من العمر، وبإجراء المسحة الاستقصائية للمرض لنسبة لا تقل عن %70 من النساء من سن (30-65) كل 3 سنوات لاكتشاف أي تغيرات مبكرة في خلايا عنق الرحم قبل أن تتحول سرطانًا.

لقاح فيروس الورم الحليمي البشري معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في الولايات المتحدة، ويعطى في سن (9-14)، جرعتان تفصل بينهما 6 أشهر، وهو يحمي من الأنواع التي تسبب 71-%90 من حالات سرطان عنق الرحم، وما يصل إلى %90 من الثآليل التناسلية.

وزارة الصحة أطلقت برنامج تلقيح فتيات المدارس في المرحلة المتوسطة للحد من نسبة سرطان عنق الرحم الذي بدأت نسبته تتزايد بشكل مخيف بين السعوديات، فالدول التي سبقتنا بسنوات في اعتماد برنامج التلقيح ضد هذا الفيروس، انخفضت لديها نسبة الإصابة بشكل كبير، كما تراجعت معدلات الوفيات المسجلة في أوروبا بنسبة تراوحت بين 51-%92 بعد تطبيق برنامج منظم للكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم.

أما عن تأثير اللقاح على خصوبة الفتيات، فمنذ ظهوره عام 2006 لم تُسجل أي حالات عقم نتيجة تلقيه، ولم تُلاحظ زيادة ملحوظة في نسبة التشوهات الخلقية لمواليد الفتيات اللاتي تلقينه، وقد تطور اللقاح ليشمل عددًا أكبر من فيروسات الورم الحليمي، وتلقت أكثر من مئة مليون فتاة في العالم اللقاح، وأكثر من 270 مليون جرعة حول العالم، ولم تنشأ أي مضاعفات على صحة الفتيات، بل انخفض معدل ظهور الثآليل التناسلية وسرطانات عنق الرحم بنسبة 90%.

رفض اللقاح من قبوله، قرار شخصي، لكن نشر (الخزعبلات) حوله وترهيب الآخرين، جريمة، يجب أن يُعاقب فاعلها، الجهل لا يشفع لصاحبه، مروجو الإشاعات لا سلطة لهم إلّا على أصحاب العقول المُتاحة، الذين اكتفوا بأن يكونوا متلقين، وبلا وعي يجدون أنفسهم يؤمنون بما لو أنهم فكروا به، لأنكروه.