صراحة توقعت مع التطور التقني وثورة الاتصال أن إمكانية التواصل بين المسؤول والمواطن أصبحت أكثر سهولة وهناك أكثر من وسيلة للربط بينهما، لكن تفاجأنا ببعض البيروقراطية التي حولت وسائل التواصل من السهولة للتعقيد!

جيلنا أو جيل الطيبين سمنا ما شئت، كنا - أهل الرياض - إذا أردنا حاجة أو تعثر أمر أو صعبت علينا مشكلة (ننصى) قصر الحكم بالرياض ونذهب لمقابلة سيدي الملك سلمان (أبو فهد) - حفظه الله - كانت الأمور ميسرة وتساهيل، وكعادته وجه الخير أبو فهد في صدر المجلس ونذهب للسلام عليه وشرح ما نريده بكل صراحة وبكل أريحية (وجها لوجه)، مئات من البشر كل له حاجة مختلفة، وكان مرحبا بالجميع منصتا جيدا للكل وقاضيا لحاجات الأغلبية إذا كان يمكن قضاؤها، لم يشعر أحدا بالتململ من الاستماع ولم يقس على أحد رغم أن البعض لا يمتلك أدنى درجات الأسلوب واللباقة في شرح حاجته، وكان يفعل ذلك شبه يومي دون كلل أو ملل، لذلك أغلبنا نحن أهل الرياض لم يتعود أن يطلب من أحد بعد الله غير من أبي فهد.

الآن - مع فارق التشبيه - تستغرب جدا أن تجد مسؤولا متعينا حديثا وليست لديه تلك المسؤوليات الجسام، وإذا أردت التواصل معه تجد أنه لازم تمر على مكاتب ومدير مكتبه، ثم لربما تقابل مستشاره حتى ينظر إذا يقابلك أو لا!

لنفرض مثلا أنك تريد أن تشتكي مدير مكتبه أو مسؤولا في وزارته، هنا يكون قطع التواصل هو بنفسه، وانقطع عن الواقع، أصبح كل ما يصله عبر قناة يتحكم فيها الآخرون ! ومعروف لكل مسؤول دائرة تحيط به والتي قد يكون لها مصالحها ولها أجندتها، ليس شرطا أن تكون كليا متوافقة مع رؤية المسؤول أو الوزارة أو الإدارة، وللأسف قد يصل في مرحلة أن المسؤول يدخل فيما يسمى البرج العاجي لأن الفقاعة والمتملقين حوله ينقلون له كل شيء جميل فقط ولا ينقلون كل الواقع.

في بعض الأحيان تريد الكتابة عن موضوع معين أو تقترح شيئا، ومن باب المصداقية تبحث عن المصدر أو المسؤول للاطلاع على الصورة بشكل أعم أو لسماع الرأي الآخر، فتجد كل هذه العراقيل أمامك وكأنك تطلب شيئا لنفسك ! ثم إذا كتبت مقالا أزبد وأرعد!

يا عزيزي المسؤول إذا كنت متعودا على إنصاف الكتاب والصحفيين الذين يأتونك لقضاء حوائجهم الشخصية، فنحن نترفع عن ذلك، ومتأكد أن البلد مليئة بالصحفيين والكتاب الذين يحترمون قلمهم ولا يدخلون مصالحهم الشخصية في كتاباتهم. لنا عقود ونتحدى أي مسؤول في الحكومة يجي يقول إننا في يوم ما أخذنا منه شيئا وطلبنا منه شيئا لأنفسنا، ومعروف حتى أنه مصدر دخلي من عملي الخارج، وعندما نريد نكلم أو نقابل مسؤولا فهو لخدمة البلد أو التأكد من موضوع من باب المصداقية، وبعد الله لا يوجد رجل في الدولة له فضل على كاتب هذا المقال إلا الملك سلمان .!

ومن شب على شيء شاب عليه، فلن نطلب شيئا شخصيا من أي مسؤول كائنا من كان ! وإذا أردنا شيئا شخصيا بعد الله فإن باب الملك سلمان بن عبدالعزيز كالعادة مفتوح منذ الصغر وباب ابنه الآن (محمد بن سلمان بن عبدالعزيز) سلمهما الله.

بعض المسؤولين في إدارته يتفلسف عن الحوكمة ومحاولة الإدارة كأنها إدارة الشركات، لكنه نسي شيئا بسيطا وجوهريا، ففي الشركات - مثلا - الأهم هو رضا العميل، أنت كمسؤول في الأول والأخير هدفك خدمة العميل أو المواطن ورضاه وليس تصريفه، ومن يحدد رضا العميل ليس أنت ! إلا إذا كنت تعتقد أنك أخبر من المواطن بنفسه، أو أنك تعتمد على شركات الاستشارات وبعض مؤثري التواصل الاجتماعي لقياس الرضا والذين ربما يجعلون الصورة وردية.

ألا يتعلم بعض المسؤولين من القيادة وهي التي دائما ما تضع المواطن أولوية حتى في تصريحاتها، عراب الرؤية وقائدها سمو ولي العهد يفتخر بالسعوديين (همة السعوديين مثل جبل طويق ولن تنكسر..) هو يفاخر بالسعوديين في المناسبات وللأسف بعض المسؤولين تجده متقوقعا على نفسه ما وده يتواصل أو يحول التواصل مع المواطنين مباشرة !

بعض المسؤولين وحاشيتهم شايف نفسه على الناس وانتفاخ زايد !

يا عزيزي نقولها بالفم المليان ونعيدها نحن لا نرى كبيرا في البلد إلا أبو فهد وأبو سلمان، هما ولي الأمر ولهما بيعة أما البقية موظفون، وإذا نحترمك أيها المسؤول، فإننا نحترمك لسببين الأول إنساني ونحترم بشريتك وكذلك أخلاقنا، والسبب الثاني نحترم اختيار القيادة لوضعك في هذا المنصب، لكن إذا انحرفت أو تكبرت عمن وضعت لخدمتهم فأنت تفقد الاحترام.

البعض يخطئ الحسابات ويتصور أن اختياره لمنصب ما بسبب أن ليس له مثيل في البلد! وهذا غير صحيح، ربما اختارتك القيادة لأداء دور أو مهمة معينة ضمن إستراتيجية أو مخطط أكبر، وربما أنت نفسك ما تعرف الصورة الكلية، وعندما ينتهي الدور أو لم تنفذ ما هو متوقع منك سيتم إعفاؤك، وكما قلنا ونردد لا يوجد أحد (قالط) حاليا مع الرؤية (يا تؤدي بشكل ممتاز، يا تمشي !).

ربما من وقت لآخر يجب تذكير بعض المسؤولين أن الكرسي سيزول عاجلا أو آجلا، وكل هذه النفخة والتملق ستزول، على الأقل اجعل لك سيرة حسنة والناس تستمر تسلم عليك لو شافتك بدل أن تتقوقع في بيتك ولا أحد يهلي بك بعد زوال المنصب.