بعد النظرة الأولى وما يترتب عليها من إعجاب متبادل، يكتشف الرجل والمرأة أن كلا منهما مخلوق للآخر، يتبادلان الحب بعمق، بعد ذلك يأتي قرار الزواج، معتقدين دوام هذه العلاقة الحميمة مدى الحياة. يساند الزوجان بعضهما في السراء والضراء دون شرط أو قيد.

ثم تبدأ فكرة إنجاب أطفال وتأسيس أسرة، يتشاركان تكاليف الحياة حتى يصل الأبناء عمر البلوغ. علاقة زوجية هانئة عنوانها تبادل الاهتمام والمودة والرومانسية حتى يفرقهما الموت. ربما تخفت شعلة الحب قليلا ولكنها لا تنطفئ بل تدوم إلى الأبد.

ما ذكر، يمثل العلاقة بين الجنسين حين تنزع منها الروابط الاقتصادية المترتبة على الزواج. فهل مثل هذه العلاقة -منزوعة الدوافع الاقتصادية- يمكن أن تتكون وتستمر؟ العلاقة الزوجية لا تكتمل دون التزامات دينية ومؤسسات توثق الجوانب القانونية لهذه العلاقة طويلة الأمد. هذه الالتزامات في جوهرها اقتصادية بين الجنسين، وهي كل ما يمكن توثيقه رسميا. فنجاح العلاقة يعتمد أساسا على تكوين شراكة طويلة بين الذكر والأنثى، وتشترك الشعوب باختلاف أديانها وثقافاتها في أن العلاقة الاقتصادية الطبيعة بين الاثنين، تتمثل في انصراف النساء- عادة- لرعاية الأطفال، بينما يوفر الرجال الطعام والموارد الأخرى في علاقة تبادلية طويلة. قبل أن يفكك السوق بثقافته وآلياته الجديدة تلك العلاقة، ويخلق أدوارا اجتماعية جديدة للجنسين.

في كتاب «السذاجة وعلم النفس الاجتماعي» لروي بوميستر، وجوزيف فورجاس، يرى المؤلفان أن الجانب الاقتصادي يسهم في التزام الزوجين برومانسية طويلة، هذه العلاقة طويلة الأمد تستلزم شكلا من السذاجة يتمتع به فطريا الرجل، وطوال هذه المدة يلتزم الذكور بتوفير الموارد والحماية للأنثى، مقابل ما يقع على عاتقها من متطلبات الحمل والرضاعة وتربية الأطفال. هذه المتطلبات تجعلها بحاجة لدعم الذكر لفترات طويلة.

يقول الكتاب: «ازدهر الجنس البشري لأن إستراتيجياته التطورية والأعراف الثقافية خدعت الرجال وجعلتهم سذجا بما يكفي ليتورطوا في توفير الموارد للنساء والأطفال لفترات طويلة».

يؤمن المؤلفان بنظرية التطور البيولوجي وأن العلاقة الزوجية طويلة الأمد ليست في حقيقتها إلا تطورا بيولوجيا أو تكيفا طبيعيا لتحقيق غايات اقتصادية.

يُطبق الطرفان ما يملكانه من إستراتيجيات الإغواء التي اكتسباها تطوريا -كما يعتقد المؤلفان- المرأة سعيا للحصول على الذكر المعيل القادر على توفير الموارد، والرجل سعيا للحصول على الأنثى التي تقدم لأطفاله الرعاية والاهتمام. وتكوين مثل هذه الشراكة الاقتصادية طويلة الأمد، يتطلب نوعا من السذاجة يتحلى بها كلا الجنسين فطريا كما يعتقد مؤلفا الكتاب بقولهما: «تمثل الفرضية المحورية هنا في أن الرغبة الجنسية لدى المرأة هي في الجزء الأكبر منها نوع من التكيف يهدف إلى تسهيل تجنيد عائل ذكر، للدخول في علاقة طويلة الأمد يوفر فيها احتياجاتها».

تكمن سذاجة الرجل هنا حين ينظر للمحبوبة بعد أن يقع في شباكها بنظرة غاية في المثالية، وتكمن سذاجة المرأة بسهولة تصديقها لكلمات الحب الكاذبة التي يطلقها الرجال في جهودهم الحثيثة لإغواء الجنس الآخر.