يظل غار حراء - المكان الذي تنزل فيه القرآن على نبينا صلى الله عليه وسلم - معلمًا تاريخيًا ملهمًا، وذا قيمة وجدانية لدى المسلمين في شتى بقاع الأرض، ولكن في الآونة الأخيرة ارتبط ببعض الممارسات الغريبة من بعض الزوار، تمثلت في تسلقه بأوقات غير مناسبة، وكتابة بعض العبارات على جوانبه وتشويهه بسبب هذه الممارسات.

ولكن وبفضل الله تعالى وبأفكار مبتكرة من مبدعي هذا الوطن الغالي، دشن مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل مشروعًا حضاريًا، يتسق مع رؤيته عن مكة المكرمة لتصير مدينة حضارية ذكية، تجسد روح الإسلام الحقيقية، وتتواءم مع مقتضيات العصر وتقنياته الحديثة، وهذا المشروع هو (حي حراء الثقافي) والمقام على سفح جبل النور بمكة المكرمة.

يركز المشروع في رؤيته على إثراء التجربة الدينية والثقافية لضيوف الرحمن وسكان مكة المكرمة، ويتكون من متحف القرآن الكريم الذي يبرز جوانب العناية به على مر العصور بعرض مشوق ومتحفي، ويضم مقتنيات ومخطوطات نادرة للمصحف الشريف، كما يضم المشروع معرضًا للوحي ينقل الزائر إلى قلب الغار الذي نزل فيه القرآن، وجُهز المعرض المصاحب بأحدث التقنيات، ويحوي مجسمًا للغار نُفذ بالأبعاد الطبيعية له، إضافة لذلك يستمتع الزوار بحديقة حراء بين أحضان الطبيعة مع وجود مجموعة متنوعة من المقاهي والمطاعم والمرافق الخدمية الأخرى.

هذا المشروع الرائع سينهي بلا شك تلك الممارسات السابقة والغريبة حول غار حراء، وسيلبي رغبات الكثيرين في استكشاف المكان، وعيش تجربة العودة بالزمان وتخيل ما جرى في ذلك الغار دون المخاطرة بالتسلق، ولمن أراد أن يرقى جبل النور الذي يضم الغار، فهناك مرحلة تالية يجري العمل عليها، وهي تنفيذ طريق للغار، مزود باللوحات الإرشادية ووسائل السلامة.

يشكل الفيصل ورؤيته المحلقة بمكة المكرمة والتي تنبثق من رؤية الوطن (2030) مرحلة مضيئة من مراحل بناء الإنسان والمكان في هذه المنطقة المقدسة، وهذا المشروع تجسيد واقعي لأهدافه في هذه البقعة الغالية، كما تشكل تلك الرؤية منطلقًا لكل الأفكار الخلاقة لرجال ونساء هذا الوطن الغالي، وهذه الرؤية تثبت بلا شك أنه يمكن المواءمة بين تراثنا الحضاري العريق وتمسكنا بقيمنا الدينية، واللحاق بركب التطور والحداثة، دون أن نتخلى عن الثوابت أو نجتر قيم الآخرين عندما نريد أن نتطور أو نتغير نحو الأحسن.

سلم لنا ديننا الحنيف، وسلمت بلادنا الغالية وقائدها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين من كل سوء، وسلم لنا غار حراء، وسلمت أنامل الفيصل حين كتب:

شرَّفني الله بالعمل في الإمارة

إمارة تخدم جميع المسلمين

العز فيها والشرف والحضارة

والمرجلة في خدمة الدار والدين

ما هي بتقليد ولا مستعارة

ما مثلها إلا بين نخلة وسيفين

أسس لها عبدالعزيز الصدارة

وبرايةٍ ما ترتخي للسلاطين