كثرت الأحاديث طيلة السنوات الماضية حول اندثار الصحف، وأن عمرها الافتراضي قارب على الانتهاء، وموتها أصبح وشيكا، وما يحدث الآن لا يعدو كونه مسكنات تستخدم تهيئة لوفاة الصحف ومؤسساتها.

الحديث ظل هاجسا لدى ثلاثة أطراف «الجمهور عامة، والعاملون في القطاع، والأكاديميون»، دون الإشارة في غالب تلك الأحاديث إلى الفرص المقبلة أمام الصحف، ومدى إمكانية تعاظم أثرها بفضل وجود التطبيقات الرقمية بمختلف أشكالها.

الحديث هنا ليس في اتجاه موت الصحف من عدمه، فقد أشبع الموضوع طرحا وتفصيلا. لكني أشير بإصبعي نحو مناخات أخرى في الإعلام، وخصوصا من يعتقدون أنهم في حالة من الحصانة عن تلك التحولات، وأعني تحديدا قطاعي الإذاعة والتلفزيون.

سأوجه سؤالا لا أنتظر عنه الإجابة، متى كانت آخر مرة شاهدت فيها التلفزيون بتركيز، بعيدا عن المسابقات الرياضية وكرة القدم؟

سؤال آخر: متى كانت آخر مرة استمعت فيها للإذاعة بتركيز عطفا عن اتصالك بها كصديق لبرنامج وتهدي من تحب أغنيتك المفضلة؟!

فالحديث عن تراجع أعداد المتابعين وقراء الصحف وهجرة كثير من الجمهور عن الورق، ينطبق على الإذاعة والتلفزيون أيضا كوسيلتي إعلام. فاليوم أعداد متابعي القنوات التلفزيونية والإذاعية في تراجع هائل، ومؤشرات المتابعة في كل مناسبة تتجه نحو الانحدار الحاد. وبالتالي حري بالمهتمين بالوسيلتين أيضا أن يناقشوا مستقبل حضورهم وطرق وجودهم بدلا من المشاركة في تشييع الصحف الورقية مرارا وتكرارا.

اليوم لولا صناعة الترفيه والمسابقات الرياضية وتحديدا مواجهات كرة القدم، لكانت القنوات تعيش سباتا جماهيريا كبيرا وليس أدل على ذلك إلا حجم مشاهدات البرامج المصاحبة لتلك المواد الترفيهية، إذ نجد أن أرقامها ضئيلة جدا، كالحديث مثلا عن البرامج والاستوديوهات الرياضية المصاحبة لمواجهات كرة القدم وغيرها.

لذا ينبغي علينا كمتخصصين ومهتمين بهذا القطاع، التحرر من ذلك القيد الصحفي ومستقبله فقط، وكأنه الوحيد المتأثر برقمنة المجال، والحديث بشمولية أكبر ووضع حلول وفرص يمكن للإعلام التقليدي أن يستغلها خصوصا إذا ما عرفنا أن شبكات التواصل الاجتماعي خلقت حالة من ذوبان القيود بين تلك الوسائل، وأعني أن الصحافة والإذاعة اليوم أصبحا يقدمان محتوى مرئيا، والقنوات التلفزيونية قد تكتفي في حساباتها العاجلة بنصوص مكتوبة فقط، وهو ما يدفع تلك الوسائل لأن تتجاوز تقليديتها السابقة.

نحن نقرأ اليوم ثريدا طويلا في تويتر، نستمع لبودكاست مدته تتجاوز الساعتين، ونشاهد مسلسلات وأفلاما على «نتفليكس» و«يوتيوب» وغيرها من المنصات بالساعات. إذن هل الوسيلة وحدها هي المذنبة في هذا المشهد؟

أزعم أننا في أزمة لا تخص الصحف ولا الإذاعة ولا التلفزيون، نحن جوعى محتوى نوعي ومختلف، فأينما وجد وقدم بطريقة مشوقة، تجدنا نركض بمتعة نحوه، وفي عصر الرقمنة هو من يركض نحونا.