في المقال الأول تحدثت عن بعض التجارب العالمية وقصص شركات كانت صغيرة جدا ثم أصبحت تقود العالم.

وإذا اتجهنا شرقاً نجد الصين سباقة في هذا المجال، لكبر حجمها وعدد السكان ودعم الحكومة وسهولة التمويل وتوفر الخبرات وانخفاض الأسعار وغيرها، مثل شركة ديدي للتوصيل التي نافست أوبر حتى أزاحتها من أسواق الصين ووصلت قيمتها لما يقارب 10 مليارات دولار. ولعل الأشهر هو موقع علي بابا الذي بدأ فكرة منسوخة أعجب بها تشيكاما عندما كان في أمريكا، لاحقا تم طرحها في السوق العالمية وأصبح واحداً من أكبر الطروحات العالمية.

ما أوردته من قصص أعلاه، الهدف منه إيضاح مدى أهمية المشاريع متناهية الصغر، فهي مصنع الأفكار ونواة المشاريع الكبيرة، وهنا تظهر أهمية رعايتها والاهتمام بها وعدم إهمالها، فقد تكون بذرة مليارية، كما في الأمثلة التي ذكرتها بهدف إيضاح ألا شيء مستحيل، فالآخرون ليسوا أفضل منك، كل ما يتميز به الناجحون أنهم يقرؤون الأسواق والتوجهات، ولديهم الصبر وعدم اليأس والمتابعة.

أمر آخر هو أن مشكلة البعض ممن يريد أن يبدأ ينظر إلى أين انتهى الآخرون فقط، ولا يرى بداياتهم، فكل شيء في الدنيا يبدأ صغيرا ثم يكبر.

المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الأهم والأسهل والأحق بالحديث عنها، والأحق بالرعاية والدعم، فهي المشغل الأساس الأكبر لأكثر الباحثين عن عمل، ففي السعودية هناك ما يقارب 980 ألف منشأة تعد صغيرة أو متوسطة أو متناهية الصغر، %82 منها متناهية الصغر و%16 صغيرة و%2 متوسطة وتسيطر الرياض على %36 من هذه المنشآت. وتمثل «متناهية وصغيرة ومتوسطة» حوالي %98 من عدد السجلات التجارية المصدرة في السعودية.

وقبل الدخول إلى عالم الأرقام وخلافه لابد من إيضاح أن (مصطلح المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة) محل خلاف بين الدول ويختلف من دولة إلى أخرى، فمنشآت الأعمال هي (تنظيم ذو طبع تجاري تؤسس من قبل فرد أو عدة أفراد غايتها تقديم خدمة أو منتج بشكل مميز ومختلف، يهدف لتحقيق الربح وتعظيم القيمة للمنشأة).

ولكل بلد تعريفه الخاص بالمنشآت وحجمها فيها، حيث تختلف في البلدان المتقدمة عن البلدان النامية. ففي أوروبا تعرف المنشآت الصغيرة بأنها ذات دخل سنوي لا يتجاوز 10 ملايين يورو، وعدد العاملين فيها لا يتجاوز 50 عاملاً. وفي الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر الشركة صغيرة، إذا كان دخلها السنوي لا يتجاوز 10 ملايين دولار. أما في مصر تعتبر المنشآت صغيرة، إذا كان دخلها السنوي بين 1-5 ملايين جنيه، ومتوسطة إذا كان بين 50 - 200 مليون جنيه.

وتهتم الدول بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة لعدة اعتبارات «عندما أذكر الصغيرة هنا فإنني أقصد الصغيرة ومتناهية الصغر» منها، أنها المشغل الرئيس للعمالة، ولإيضاح أهميتها لا بد من ذكر أنها تساهم بـ %46 من الناتج المحلي العالمي، وهذا يتجاوز 40 تريليون دولار وهو رقم ضخم جدا، وتمثل حوالي %71 من عدد الشركات عالمياً وتهتم دول (كالولايات المتحدة، أوروبا، الصين، اليابان، كوريا) بها ورعايتها، لأنهم يقدرون دورها لأنها ركيزة مهمة في حركة الاقتصاد.

 للحديث بقية......