كانت السعودية إحدى أكبر 7 دول في العالم في ميزانية الدفاع، وكان من المتوقع وقتها أن تواكب الصناعة العسكرية المحلية هذا الإنفاق، حيث الصناعات العسكرية المحلية تمثل نحو %3، والباقي يتم استيراد أغلبه بكلفة ضخمة وعقود صيانة مكلفة، هذا غير المشكلات الأخرى من تأخير ومزاج وربما ابتزاز الدول المصدرة لأسباب مختلفة، إلى أن جاءت الرؤية الملهمة بقيادة الجسور سمو ولي العهد وأعلن عن هدف طموح ومهم جداً للأمن الوطني السعودي وهو توطين %50 من الصناعات العسكرية في 2030، وفي السياق نفسه أنشئت الشركة السعودية للصناعات العسكرية أو ما يطلق عليها «سامي» تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة، لتكون القاطرة التي تدفع الصناعات العسكرية قدماً إلى الأمام للوصول إلى هدف التوطين.

ووضعت «سامي» لنفسها هدفاً أن تكون واحدة من أكبر 25 شركة دفاعية في العالم، ووفر لها كل ما تحتاج إليه من دعم مادي كبير وإداري وتسهيلات ومرونة في التشريعات حتى ينمو القطاع الصناعي الدفاعي في بيئة مشجعة.قامت شركة «سامي» باستحواذات مهمة وكبيرة مثل شركة «الإلكترونيات المتقدمة» وغيرها، وأسست العشرات من الشركات والشراكات مع شركات الدفاع العالمية ووقعت عشرات مذكرات التفاهم الخ...، وربما أغلب العقود الضخمة للحكومة إلا أن «سامي» يكون لها نصيب فيها إما مباشرة أو شراكة مع طرف ثالث، وهذا دعم كبير من الحكومة.

هل شركة «سامي» على المسار المأمول منها؟

لنكن موضوعيين يجب أن نغطي الإيجابيات، وأيضاً ما نعتقد أنه نقص في «سامي»، لكن قبل البدء في تعداد الإيجابيات وغيرها وتقييم «سامي»، يجب أن نسأل السؤال الجوهري، كيف تريد «سامي» أن تكون صورتها عندما ينطق اسمها؟

الصورة أو image أو كيف ينظر الناس إلى «سامي»؟

ما زالت صورتها إلى حد ما غير واضحة لنا، وأعتقد أيضاً لكثيرين من المهتمين في الشؤون العسكرية! حتى على مستوى المعارض، بدأنا نسأل ما الرسالة التي تريد «سامي» إيصالها في منصتها؟

هناك خلطة من المعدات والبرامج والخطط والاتفاقات المختلفة والمتعددة، لكن من وجهة نظر شخصية لم يتم ترتيب الرسالة أو الصورة بشكل منسق ومحترف؟

وأعطى مثالاً للتوضيح وليس المقارنة، لو ذكر اسم «لوكهيد مارتن» ما أول شيء يخطر في بالك؟ ببساطة الصورة واضحة!

ولو ذكر اسم «ريثيون» أيضاً بسرعة ستظهر صورة معينة مختلفة.

كلتاهما من أكبر شركات التصنيع العسكري الأمريكية، لكن بوضوح كل واحدة منهما لها صورة مختلفة في المجال العسكري، وهكذا دواليك «بيونج الدفاعية» و«نورثروب جرومان». قد يقول قائل إن «سامي» تسارع الخطى لكي تصل إلى هدفها في قائمة 25، وقد يقول آخر، إنها تتوسع في عديد من المجالات، لكي تسد بسرعة النقص في التوطين، لكن في النهاية هي شركة، والشركة لها صورة وأهداف ومهمة ورسالة، فيجب تنسيق الرسالة والصورة بطريقة أكثر احترافية وأكثر انسجاماً ووضوحاً.

لنبدأ بالإيجابيات، هناك مشروع ناجح لا يختلف عليه اثنان وأصبح مثالاً لسرعة الإنجاز والتوطين، وهو مشروع «سامي» مع «نافانتيا» في البحرية، ونحمد الله أن «سامي» مسكت المشروع الذي تم إنجازه بزمن جيد رغم أزمة كوفيد. وهناك نقل تقنية معقول وأيضاً مشروع حازم، والمشروع ككل إلى حد ما تقدم بخطوات تثير الإعجاب، والبحرية تحتاج هذا المشروع صراحة، وليس هذا المقال الوقت المناسب لشرح البحرية. وهذا النجاح تمت المصادقة عليه أيضاً من خلال المشروع الجديد لخمس سفن متعددة المهام.

وقد يقول قائل إن نجاح مشروع بسبب أن كثيراً من المسؤولين التنفيذيين في «سامي البحرية» كانوا مسؤولين سابقين في «نافانتيا»، لكن هذا لا يقلل من نجاح مشروع «سامي» البحري أبداً.

في المقابل البعض يقول إن عديدا من خطط «سامي» عبارة عن (برزنتيشنات)، وأيضاً مذكرات تفاهم، ولم نر عديدا من البرامج بشكل ملموس! وأيضاً إنها لم تغط الأوجه أو المجالات التي يحتاج إليها الدفاع بشكل حيوي وسريع أو إلى حد ما معضلة ترتيب الأولويات! وذهبت إلى أمور أخرى عليها طلب لكن ليس آنياً! أما النقطة الأخرى فهي التعاون بينها وبين بقية الشركات الوطنية الدفاعية الأصغر ومد يد التعاون، فهم يعتقدون أن «سامي» هي القاطرة التي تقود السوق الدفاعية السعودية والبقية خلفها، ومن باب التوضيح لضرب المثل: سامي هي الحوت وبقية الشركات الدفاعية المحلية هي الأسماك التي تود أن تتعلق بـ«سامي» لدفعها مع التيار!

طبعاً من باب الشفافية، قد يرد قائل يا أخي «سامي» شركة وليست جمعية خيرية للبقية، بل يهمها تحقيق أهدافها التي قد لا تتوافق مع صغار المصنعين العسكريين، و«سامي» قد تعاونت مع بعض المراكز المحلية في بعض المشاريع. وهذا كلام لا غبار عليه، وقد يقول آخر هذه وظيفة «غامي» مساعدة الشركات والنهوض بالقطاع وليس مهمة «سامي»!

ولكن هناك أيضاً رد آخر وهو (نموذج أعمال) business model.

ولنكن أكثر دقة نموذج اقتصادي لأن نموذج الأعمال له تعريف معروف في عالم البيزنس ولكن لتوضيح الصورة، ففي الشركات العسكرية الكبرى خصوصاً وحتى في مجال السيارات أيضاً، فإن الشركات الكبرى لا تصنع كل شيء بل تحت عباءتها آلاف الموردين الأصغر، مثال طائرة «إف-15» كم مورد يجلب قطعها لـ«بيونج» ومن عشرات الولايات؟!

يعني بالعامية لـ«سامي» التعاقد الأكبر والباقين قد يكونون متعاقدين من الباطن أو موردين لـ«سامي».

لا شك أن فكرة إنشاء «سامي» رائعة للغاية والدعم الذي جاءها تستحقه لأن سوق السلاح العالمية هي سوق أسماك قرش وتحتاج اللاعب الجديد نسبياً للدعم والتمكين، لكن بعد مرور نحو 5 سنوات، ألم يحن الوقت لـ«سامي» لتجلس مع نفسها وترى ماذا يجب فعله في السنوات المقبلة؟ وكيف يمكن تعديل بعض الأمور وتحسينها أو تطوير ما هو جيد ليكون أحسن أو إعادة هيكلة بعض الأقسام والخطط؟

شخصياً أريد أن أرى سامي قصة نجاح تكتب ونفتخر بها خصوصاً نحن المهتمين بالأمور للعسكرية، لكن من باب الصراحة والموضوعية (لأنه ليس لدي تضارب مصالح)، أرى الوضع الحالي فيه بعض الغيوم التي قد لا توصل «سامي» إلى مبتغاها أو المأمول منها إذا بقيت الأمور بالطريقة نفسها.

في المقابل أرى أيضاً أن لدى «سامي» الإمكانات الكبيرة لكي تصل حتى إلى أبعد من أهدافها المعلنة إذا تم تغيير بعض الأمور التي يعلمها العارفون في الأمور الدفاعية.