لا يكاد يمر يوم أو يومان أو بضعة أيام إلا ونسمع أو نشاهد من يجاهر بالعداء للسعودية في المنابر المختلفة، والتي وصلت للأسف حتى إلى منابر صلاة الجمعة. يحدث جل ذلك من بني يعرب بالذات، ومن أناس وجماعات ومنظمات كان للسعودية فضل كبير عليهم، إلا أنهم لم يراعوا حتى ردة فعل العربي الجاهلي في خباه عندما كان يرد الجميل إلى من أسدى إليه معروفًا في يوم من الأيام.

العداء الملاحظ للسعودية يبدو، في الغالب، مغلفًا برداء «ديني»، ظاهره مهاجمتها بسبب ما يقولون عنه إنه انفتاح على حساب الدين؛ وتتولى جماعة الإخوان بالذات، سواء عبر مؤسساتها، أو عبر من ينتمون إليها إيديولوجيا، تسويق هذه الكراهية للسعودية، بتصوير انفتاحها على المباحات على أنه انتهاك لقطعيات الدين؛ أما في باطنه/حقيقته فهو عداء إيديولوجي ذو برجماتية سياسية بحتة، ولا علاقة له بالدين لا من قريب ولا من بعيد. وللتدليل على براجماتية هذا العداء، فإن معظم مهاجمي السعودية اليوم كانوا ممن يعيرونها بالزعم بأنها رجعية ومنغلقة، تحرم النساء الكثير من حقوقهن، وعلى رأسها حقهن في قيادة السيارة، الذي دندنوا عليه كثيرًا في الماضي؛ وما إن سُمح لهن بقيادة السيارة، ضمن حزمة مزايا أخرى عديدة أعطين إياها، على رأسها تعيينهن في مناصب قيادية ودبلوماسية رفيعة، حتى انقلبوا على أعقابهم خاسئين زاعمين أن السعودية خالفت الدين وتهاونت في العقيدة، وغير ذلك من مفردات هم أول من يَكفُر بها في الواقع. وهذه في الحقيقة سمة الخطاب الإيديولوجي الذي لا يستنكف أن يتحول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أو العكس، طالما ذلك يصب في مصلحته، كما يراها هو. والذي لا مراء فيه اليوم أن من لديه نزعة إخوانية، ناهيك عن الوالغين في فكرهم حتى الثمالة، يَعُدُّون عداء السعودية، والتثريب عليها، وشيطنتها، واتهامها في الدين من صلب معتقدهم، حتى أصبح الإخواني الذي لا يعادي السعودية ليس إخوانيًا عند بني جلدته ممن يتولون كبر ذلك الخطاب الموغل حقيقة في الرجعية والبؤس ومعاداة الشعوب والوقوف ضد الأوطان والتآمر عليها، والتحالف مع كل شيطان رجيم يحاول النيل من مكتسباتها. وما موقفهم من ثورات ما يسمى «الربيع العربي» إلا علامة لا تخطئها العين لمن ألقى السمع وهو شهيد على نهجهم الذي لا ينفك عن قوام خطابهم ذي البطانة الهدامة، والعداء المتأصل ضد السعودية بالذات كونها تقف بالمرصاد لمخططهم المشؤوم. ومما يقض مضجع أولئك القوم أن السعودية تنتهج اليوم خطًا مدنيًا سلميًا منفتحًا ملتزمًا بمقتضيات الشريعة، مما هو مقطوع به دلالة من القرآن الكريم، وما هو مقطوع به ثبوتًا ودلالة من السنة النبوية؛ وما عدا ذلك فتأخذ به أو تذره وفقًا لما يجلب من مصالح، أو يدرأ من مفاسد بما لا يتعارض مع النص المقطوع به ثبوتاً ودلالة. وهذا لعمري هو المنهج الحق الذي ارتضاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ولا بد لنا كمواطنين وكمقيمين على ثرى هذه الأرض المباركة: المملكة العربية السعودية أن نبصر أعداءنا جيدًا، حتى نكون على حذر منهم. وحين نجيل النظر في من حولنا سنجد أن أعداءنا الحقيقيين هم من كان يُسيِّرون المسيرات طالبين من صدام حسين، أثناء حرب الخليج الثانية، ضرب بلدنا بالسلاح الكيمياوي. إنهم أولئك الذين احتفلوا وغنوا، ورقصوا، لحظة إعلان وفاة الملك عبدالله رحمه الله، وإنهم أولئك الذين أقاموا الأفراح والليالي الملاح عندما انخفضت أسعار البترول بشكل حاد، في تعبير صارخ عن أمانيهم الخبيثة في ضرب عصب الاقتصاد السعودي والعالمي، رغم أنهم سيكونون أكثر المتضررين حينها، كونهم أبرز المستفيدين من المساعدات التي ظلت تنهال عليهم، منذ بواكير اكتشاف النفط في هذه البلاد، بكرة وعشيا. هؤلاء وجميع رؤوس وذيول وفلول الإخوان هم أعداؤنا الحقيقيون، الذين ينبغي أن نعاملهم على أساس أنهم «هم العدو فاحذرهم». يضاف إليهم النظام الحاكم في إيران الذي تقوم إيديولوجيته على مبدأ «تصدير الثورة» التي هي عبارة عن إسقاط الأنظمة الحاكمة، وخلق ميليشيات تابعة له تحكم بشعارات مذهبية متخلفة. وما عداهم هذين الصنفين فتحكمنا وإياهم قواعد المصلحة فحسب، انطلاقًا من هدي نبوي كريم، شعاره «أنتم أعلم بشؤون دنياكم».

ينبغي لنا كسعوديين أن نكون حذرين فلا نسمح لأي خدر أن يختالنا بتصوير أعدائنا بعيدًا عن هؤلاء وأولئك. عدونا من يحقد علينا، ويريد ويتمنى أن تدور علينا الدوائر، عدونا من يترصد منجزاتنا وقيمنا وخططنا التنموية فيصورها بصور سلبية ظاهرها دموع تماسيح تُسكب على «الدين»، وباطنها خبث ولؤم وحقد وكره متأصل في نفوس لئيمة ناكرة للمعروف، تعض يد من أعطاها، وتشعل النار في خيام من منحها وحن عليها وقاسمها رغيفه، وتلك لعمري صفات قميئة يعف عنها حتى الحيوان. لنستمسك بوطننا وبقادتنا، ونعض عليهما بالنواجذ، ولنعرف أعداءنا حق المعرفة، فنتعامل معهم بقيمنا وبمروءتنا، ولكن من منظور أنهم أعداء أصلاء لا يرقبون فينا إلا ولا ذمة.