شهدت المستشفيات السعودية 46 حالة انتحار خلال الـ10 سنوات الماضية، بمعدل 4.6 حالات انتحار داخل المستشفى في كل سنة، شملت المرضى والمنومين والزائرين والموظفين والمرافقين.

وكشف تقرير صادر عن وزارة الصحة أنه في السنوات الـ10 الماضية، سجلت المنطقة الشرقية أعلى معدلات الانتحار داخل المستشفيات السعودية بواقع 10 حالات، تليها جدة بـ8 حالات، ثم الرياض بـ6 حالات، فالطائف بـ5 حالات، ومكة المكرمة بـ4 حالات، وعسير بـ3 حالات، وجازان والجوف والمدينة المنورة بحالتين لكل منها، وأخيرا حالة انتحار واحدة في كل من الباحة، وحائل، والقصيم، والقنفذة.

وبلغ العدد الإجمالي لحالات الانتحار 46 حالة بينها 41 حالة لمرضى في أقسام التنويم، و5 حالات انتحار للموظفين والزوار ومراقبين (2 في الرياض، وواحدة في المنطقة الشرقية، وواحدة في الباحة وأخرى في عسير).

وكانت الوزارة أصدرت دليلا لكل المستشفيات التابعة لها بعنوان «دليل الوقاية من الانتحار» يتضمن كثيرا من التعليمات الخاصة والموجهة لأطقم الأطباء والممرضين والمشرفين داخل المستشفيات الحكومية، الخاصة بتجنب حالات الانتحار وتثقيف أطقم المستشفيات حول هذه الحالات وكيفية التعامل معها، فضلا عن نماذج الأسئلة التي يجب معرفتها عن كل مريض يدخل أقسام التنويم وتاريخه المرضي النفسي.

وقال التقرير في رسالة للمستشفيات «يجب علينا أن نعمل من أجل فهم أفضل وكامل للانتحار والسلوك الانتحاري للكشف عن أفضل الطرق للوصول إلى أولئك الذين يكافحون وعلاجهم مع توفير التدخلات القائمة على الأدلة التي ترفع مستوى الإجراءات في التعامل مع هذه الظاهرة التي يمكن الوقاية منها».

ما المشكلة في المستشفيات العامة؟

كشف التقرير أن حالات الانتحار داخل منشآت تابعة لوزارة الصحة تحدث في المستشفيات العامة، الأمر الذي يشير إلى الحاجة إلى تثقيف الموظفين للتقييم السليم للمرضى النفسيين والمرضى الانتحاريين المعرضين لمخاطر عالية.

وأكد التقرير أن 71% من حالات الانتحار المنفذة بشكل كامل كانت لذكور في حين مثلت حالات الإناث نحو 29%.

وعرض التقرير إلى مشكلة تحدث في المستشفيات العامة وهي الحاجة إلى تطبيق البروتوكول الخاص بمنع حالات الانتحار في هذه المستشفيات، وتثقيف العاملين بشكل كامل للتعامل مع المرضى المعرضين لهذا النوع من السلوك القاتل.

الشنق يتصدر

كان الشنق أكثر طرق الانتحار شيوعا بين المنتحرين بواقع 60%، يليه القفز من النوافذ بـ27%، وأخيرا القطع بأشياء حادة بواقع 13%.

وعلى الرغم من افتراض أن معظم محاولات الانتحار تحدث في المنشآت الخاصة بالعلاج النفسي، فإن التقرير وجد أن 74% من الحالات المبلغ عنها اكتملت في مستشفيات عامة مقارنة بـ26% في مصحات الأمراض النفسية والعقلية، حيث يفتقر مقدمو الرعاية الصحية إلى التدريب المناسب والخبرة في التعامل مع مثل هذه الحالات الطارئة.

وفي ما يتعلق بالوقت الذي حدثت فيه حالات الانتحار، كشف التقرير أن 59% من الحالات وقعت في أوقات حرجة وتحديدا في نوبات الليل، بينما حدثت 41% من الحالات خلال الورديات الخاصة بنوبات الصباح.

عوامل مساهمة

كشفت التحليلات الخاصة بالتحقيقات التي أجريت لمعرفة أسباب الانتحار داخل المنشآت الصحية عن طريق فرق من وزارة الصحة أن هناك عوامل جذرية أسهمت في حدوث حالات الانتحار داخل هذه المنشآت التي يتوجب أن تكون آمنة بنسبة كبيرة للمرضى.

وكشفت المعلومات عن وجود خلل في العوامل التنظيمية (مثل عدم وجود تقديم الخدمة والتخطيط غير المناسب للغرف ودورات المياه)، فضلا عن عوامل أخرى كضعف الكفاءة لتقييم مخاطر الانتحار.

وكانت أكثر العوامل المبلغ عنها شيوعا تليها العوامل المتعلقة بالسياسات، والإجراءات الخاصة بالعمل داخل المنشآت، ولعل في مقدمتها قلة أعداد الموظفين خصوصا في الفترة الليلية.

قصص تناولها الإعلام

في فبراير 2020، ألقى مقيم بنفسه من الدور الثالث بأحد المستشفيات الحكومية في جدة فلقي مصرعه.

وكان المريض المنتحر قد تم عزله بالمستشفى بعد الاشتباه بإصابته بـ«فيروس تنفسي». وعلى الرغم من أن صحة جدة أكدت في ذلك الوقت أنه «تم وضع المقيم في غرفة عزل مغلقة بشكل تام، حسب الاشتراطات الصحية للجودة، فإنه قام بفك زر الأمان الخاص بالنافذة، وألقى بنفسه».

وفي سبتمبر من نفس العام، وقعت حادثة انتحار داخل مستشفى نفسي في الرياض وذلك في قسم التنويم، حيث وجد العاملون في المستشفى المريض منتحرا في غرفته، عبر ربط ملابسه الداخلية حول عنقه.

ووفقا للخبر ثبت المريض ملابسه بالسرير، قبل أن يجده العاملون جثة هامدة.

الاحتياطات اللازمة

أكدت الوزارة في الدليل الخاص بحماية المرضى من الانتحار داخل المستشفيات أن الغرض منه هو ضمان وسيلة فعالة لمنع هذه الحالات وتقييم ومراقبة وعلاج المرضى المعرضين لخطر الانتحار الذين يحضرون

مرافق وزارة الصحة

وصف الدليل عملية تقييم مخاطر الانتحار، وقدم فكرة عن الانتحار والاحتياطات اللازمة، كما حدد كيفية التعامل مع المرضى المعرضين لخطر إصابة أنفسهم بضرر مباشر في مؤسسات وزارة الصحة.

وقالت الوزارة، إنه من خلال هذا الدليل، سيتم تحقيق إجراءات الوقاية هذه من خلال برنامج شامل النهج يحدد ويخفف المشاكل على مستوى النظام المضمنة داخل بيئة مرافق الرعاية الصحية التي تسهم في محاولات الانتحار.

الحاجة لبروتوكول

كشف التقرير أيضا عن أن هناك حاجة واضحة لإنشاء بروتوكول صحي لتقييم وإدارة مخاطر الانتحار، موضحا أن عددا من الأطباء النفسيين تقدموا بمبادرة إلى وزارة الصحة وذلك لاستعراض عدة بروتوكولات منشورة لتقييم وإدارة مخاطر الانتحار التي تهدف إلى تسهيل الرعاية الموحدة بحيث يتلقى جميع المرضى المعرضين لخطر الانتحار المستوى الأمثل من التعامل والعلاج القائم على الأدلة ويخلق بروتوكولات ملائمة للصحة ومقدمي الرعاية.

إجراءات في المستشفيات العامة

حدد الدليل عدة إجراءات في أقسام التنويم بحيث يقوم الطبيب بتقييم حالة خطر الانتحار لدى المريض أو المريضة، وإذا تم تشخيص الحالة على أنها خطر انتحار حاد، فتجب إحالة الحالة إلى الطبيب النفسي بعد تطبيق المواد ذات الصلة من قانون الصحة النفسية السعودي في ما يتعلق بالقبول القسري.

وبعد استقرار الحالة، يتم توفير الرعاية المناسبة من قبل الطبيب النفسي المعالج، الذي يمكنه إما الاستمرار في التدبير ومتابعة الحالة أو إحالة الحالة إلى الطبيب الأساسي بشكل منتظم مع متابعة واستمرار خطة الإدارة بحسب رغبة المريض.

كما يجب متابعة الحالة النفسية والمزاجية للعاملين في المستشفيات ووضع آلية للإبلاغ عن أي مشاكل أو أفعال خطيرة يقومون بها وذلك لعلاج الحالة في وقت قياسي.

ظاهرة مأساوية

كل انتحار مأساة تأخذ حياة الفرد قبل الأوان وله تأثير مستمر يؤثر بشكل كبير على حياة العائلات والأصدقاء والمجتمعات والمحافظات ودول بأكملها.

الانتحار هو قتل للنفس. إنه ليس تشخيصا أو اضطرابا، ولكنه سلوك. إنه ليس مرضا عقليا في حد ذاته، ولكنه نتيجة محتملة لكثيرين نتيجة أمراض عقلية.

ويعد الانتحار أحد الأسباب الرئيسية للوفاة المبكرة، وهو كذلك مشكلة صحية عامة واجتماعية في جميع أنحاء العالم.

ففي كل عام، يموت أكثر من 800 ألف شخص بالانتحار (بمعدل شخص واحد كل 40 ثانية)، كما أنه السبب الرئيسي الثاني للوفاة بين أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما.

وبالنظر إلى أهمية هذه المشكلة، اعتبرت منظمة الصحة العالمية منع الانتحار ضرورة عالمية، ويجب على الدول أن تعتبر الوقاية من الانتحار رعاية صحية ذات أولوية عالية.

وتختلف أرقام الحالات بين البلدان، ولكن البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط تتحمل معظم أعباء الانتحار العالمي، مع ما يقدر بنحو 75% من جميع حالات الانتحار التي تحدث في هذه البلدان.

أبرز عوامل حدوث حالات الانتحار في المنشآت الصحية

- عدم تقديم الخدمة للمرضى خصوصا العلاج والدعم النفسي

- تصاميم الغرفة والحمام غير مناسبة

- ضعف الكفاءة في تقييم المريض عالي الخطورة

- السياسة المطلوبة غير متوفرة

- سياسة حماية المرضى عفا عليها الزمن

- انخفاض نسبة الموظفين إلى المرضى

أكثر طرق الانتحار في المستشفيات

- 60 % الشنق

- 27 % القفز من النوافذ

- 13 % القطع بأشياء حادة

نوع المستشفى

74 % من الحالات في مستشفيات عامة

26 % في مصحات الأمراض النفسية والعقلية

الوقت

59 % الليل

41 % النهار