ركزت السياسة السعودية منذ قيام هذه الدولة على ضمان حقوق الإنسان وصيانتها، انطلاقًا من دستورها القائم على الشريعة الإسلامية، حيث طبقت تلك التعاليم عمليًا وأنزلتها واقعًا معاشًا على أرض الواقع. وفي مقدمة الحقوق التي حرص عليها المشرّع توفير الرعاية الصحية، وإتاحة فرصة الحصول عليها لجميع المواطنين والمقيمين، دون تمييز أو مراعاة لأي اعتبارات سوى العامل الإنساني البحت، لا سيما في حالات الطوارئ.

تلك النظرة لم تأت من فراغ، وهذا الأسلوب الراقي المتحضّر لم يكن من قبيل الصدفة، لكنه نتاج لقناعة راسخة بأن الرعاية الطبية التي تمثل المدخل الرئيسي للتمتع بالحق في الحياة هي أولى الحقوق التي ينبغي أن يحصل عليها الإنسان. كما أن عدم التمييز بين الناس في هذا الجانب يعتبر تطبيقًا عمليًا وحقيقيًا لروح المعاهدات والمواثيق الدولية التي تعنى بالحفاظ على حقوق الإنسان وكرامته.

كما أن هذه المبادئ لم تكن في يوم من الأيام مجرد شعارات أو لافتات، ولم تكتف المملكة العربية السعودية بمجرد تضمينها في قوانينها وأنظمتها، بل حرصت على تطبيقها فعليًا، وبذلت الكثير في هذا الصدد، وسطّرت فصولًا رائعة في دفتر الإنسانية وقدّمت نماذج مشرقة في مناسبات عديدة للتعامل الرحيم، حيث امتازت طريقة تعاملها بالتطابق مع المعايير الدولية المرعية في هذا الشأن، والتناسق مع حقوق الإنسان ومنع انتهاكها مهما كانت الذرائع والأسباب.


ولأن المملكة تعيش مرحلة استثنائية من تاريخها على هدي رؤية 2030 فقد نال الجانب الصحي عناية قصوى وتم تقديمه على ما سواه، تتويجًا للنظرة الحكيمة التي يتمتع بها قادة هذه البلاد والتي تركز على مصلحة الإنسان أولًا، وأن المواطن المعافى في بدنه أقدر من غيره على القيام بما يتوجب عليه لأجل المساعدة في نهضة بلاده وتطورها.

ولأجل تقديم خدمات صحية متميزة تواكب التغيرات والتطور الذي يشهده العالم في هذا المجال، فقد رصدت المملكة مبالغ ضخمة في الميزانية خلال السنين الماضية، حيث بلغ مقدار ما تم تخصيصه للصحة والخدمات الاجتماعية في ميزانية هذا العام 189 مليار ريال، إضافة إلى العديد من المزايا وحزم الدعم المختلفة التي تقدمها الحكومة لمستشفيات القطاع الخاص.

ويقوم برنامج تحول القطاع الصحي على ثلاث ركائز أساسيّة هي الاهتمام بصحة المواطنين وتحسين جودة حياتهم، وترقية الخدمات المقدّمة بحيث تمثّل قيمة مضافة من خلال احتواء التكاليف وتخفيضها على المواطنين، إضافة إلى توجيه المزيد من الاستثمارات نحو القطاع الصحي، إضافة لإنشاء بنية تحتية قوية، واستكمال تركيب المعدات اللازمة في المستشفيات ومراكز الرعاية الطبيّة في مختلف المناطق، وزيادة عدد المستشفيات المعتمدة دوليًا.

وقد مررت مؤخرًا بتجربة شخصية وقفت من خلالها على مقدار التقدم الذي تشهده المؤسسات الصحية السعودية، حيث تعرضت لوعكة صحية مفاجئة أُدخلت على إثرها مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض وأُجريت لي عملية لإصلاح الصمام، وتم إجراء العملية التي تكلّلت بالنجاح ولله الحمد بواسطة الروبوت الآلي تحت إشراف الدكتور فراس خليل، الذي أكد أن الطبيب السعودي قادر على صنع الفارق وتشكيل الإضافة الإيجابية، حيث يعتبر من أشهر أطباء جراحة القلب في العالم الذين يستطيعون القيام بمثل هذه العمليات المعقدة.

ورغم أن المرض في كل الأحوال هو تجربة مؤلمة على الصعيد الشخصي، إلا أن ما شهدته من براعة الاستشاريين والجراحين بقسم القلب ومدى التطور العلمي الكبير الذي ينعم به المستشفى كان دافعًا لي لأشعر بالفخر والاعتزاز بهذه المؤسسة الطبية المرموقة التي باتت ضمن أكبر 5 مراكز على مستوى العالم في جراحات القلب بواسطة الروبوت، بعد أن وصلت لإجراء مئات العمليات الدقيقة والمعقدة سنويًا، ومما يبعث على الفخر أن نسبة نجاح هذه العمليات بلغت 98.2%.

هذا التطور الكبير دفع الشركة الأمريكية لروبوتات دافنشي إلى تصنيف مستشفى الملك فيصل التخصصي ليكون منافسًا قويًا للمراكز الرائدة في أمراض وجراحة القلب التي تعد الأكثر تقدمًا على مستوى العالم. ويمتاز إجراء العمليات بواسطة النظام الجراحي الروبوتي السريري بأنها تحتاج فقط إلى إحداث فتحة صغيرة بين الأضلاع لتمرير الصمامات والشرايين بمقدار لا يزيد على 3 سنتميترات، بدلًا من فتح القفص الصدري بطول 20 سنتيمترًا كما كان في الماضي، وهو ما يقلل بالتالي من اختصار أمد فترة الاستشفاء وتراجع المضاعفات السالبة المحتملة.

ومن الضروري – من باب إثبات الفضل لأهله – أن الدكتور علي العنزي والدكتور فراس خليل اللذين قدَّما صورة مشرقة للطبيب السعودي ويعد الأخير أحد 3 جراحين على مستوى العالم، من بينهم مخترع روبوت دافنشي، قد تم اختيارهم بواسطة الشركة المصنّعة للروبوتات لتدريب الأطباء حول العالم على استخدام هذه التقنية لإجراء الجراحات الدقيقة والمعقدة، كما سبق أن اختارته الهيئة العالمية لزراعة القلب ضمن 7 أطباء، لكتابة القواعد والأسس لعلاج أمراض القلب وفشل القلب الصناعي، ليؤكد من جديد قدرة أبناء هذه البلاد المباركة على ترجمة تطلعات قيادتهم الرشيدة وتأكيد جدارتهم وريادتهم.