كتب عبدالرحمن الراشد قبل أيام مقالا بعنوان «هل هي نهاية الخلاف السعودي الأمريكي؟»، يتكلم عن المصارحات وإعادة ترتيب العلاقة بين السعودية وأمريكا.

قد يبدر للذهن السؤال التالي «لماذا لا نكتب ونتكلم عن الحدث العالمي الأهم حاليا وحديث الساحة وهو الوساطة الصينية والاتفاق السعودي الإيراني؟»، والإجابة بسيطة، نحن ننتمي لمدرسة «الواقعية الجديدة- نيوريلازم» وننظر للأفعال ونضع لها وزنا كبيرا، من باب ننتظر ونرى وعندما يفعل الاتفاق عمليا ويلتزم الجانب الإيراني بالاتفاق ونرى أفعاله عندها سنتحدث مفصلا عن الموضوع.

أما حاليا فما يهمنا هو مقال الراشد عن نهاية الخلاف السعودي الأمريكي وإعادة ترتيب العلاقة!

الراشد سمع من بعض المفكرين الأمريكيين عن طي الخلاف وإعادة الترتيب، ويبدو هذا كلاما مشجعا، لكن نحن نسمع أيضا من بعض الأمريكيين أيضا على الجهة الأخرى كلاما مغايرا، طبعا أهواء الأحزاب تختلف وكذلك المفكرون، ما نسمعه أن الديمقراطيين لا ينظرون لطي الخلاف مع السعودية إلا كخطوة تكتيكية وليست إستراتيجية.

الديمقراطيون أدركوا أن السعوديين رقم صعب عالميا في مجال الطاقة وغيرها، فالأفضل تحاشي الاصطدام معهم في الوقت الراهن لأن نفوذ السعودية أكبر من تجاوز تأثيره، ويقولون في أحاديثهم الداخلية، إنه خلال 10 سنوات أو حولها ستقل أهمية البترول وسيقل النفوذ السعودي! إذن تغير اللهجة ليس من أجل طي الخلافات ولكن مرحلة وقتية!

توجد أيضا نقطة قوة في جدال هؤلاء المشككين حول نية الإدارة الديمقراطية تجاه المملكة، وهي أن إعادة بناء أو هيكلة علاقات إستراتيجية تاريخية تحتاج نخبة من السياسيين الكبار والمخضرمين، والإدارة الحالية لا تملك العديد من تلك الوجوه! نحن نتكلم عن إدارة بايدن وليس روزفلت أو ريغان أو حتى أقلها كلينتون الديموقراطي، الإدارة الحالية تعاني من نقص الكفاءات وهذا كلام حتى الوسطيين والبيروقراط يذكرونه! يقال إن هناك اسما يسعى لعمل ما يمكن عمله لدفع العلاقات قدما لكن يدا واحدة لا تصفق!

طبعا لا نأخذ كلام هؤلاء المفكرين الأمريكيين كله على محمل أنه لا تشوبه شائبة، آخذين في الاعتبار أن كثيرا ممن يقول لنا ذلك هم مؤيدو الحزب الجمهوري والاستقطاب حاليا في أمريكا على أشده.

لكن ننتظر ولنحكم بناء على الأفعال، فأمريكا سحبت الباتريوت في الوقت الذي كانت فيه الصواريخ البالستية الحوثية تستهدف المدن السعودية! الحملة الإعلامية الديموقراطية على المملكة ما زالت مسعورة، حتى الاتفاقات الإبراهيمية قامت إدارة بايدن بتعطيلها بحجج مختلفة ومطاطية، عندما طلبت دول الخليج ضمانات أمنية ودفاعية ماطلت وتملصت الإدارة الأمريكية من باب ندرس ونشوف، أما حرب اليمن فإن الحكومات الغربية غضت النظر عن كثير من الأمور من أجل إطالة أمد الحرب ووقفت بقوة ضد حسمها.

فقط النظر إلى أفعال إدارة بايدن منذ استلام الدفة يجعلك تدرك أن النية لم تكن صافية!

إعادة ترتيب العلاقات تحتاج نية صادقة ورجالا ذوي بعد نظر وأفعالا وهذا الأهم! والإدارة الأمريكية الحالية تفتقد لكثير من ذلك!

نحن واقعيون ونعرف أن أمريكا هي الدولة الأقوى والأولى في العالم، ولا أحد يستطيع استبدال أمريكا مهما كان أو يأخذ دورها على الصعيد الدولي، والنظام العالمي سينهار من دون وجود أمريكا، لكن السؤال ما هي أمريكا التي صنعت لنفسها كل هذه المكانة والمجد، هل هي أمريكا التقليدية التي قادت العالم بإستراتيجياتها لعقود أم أمريكا الحالية التي تهتم بتدريس تغيير الجنس للأطفال أكثر من اهتمامها بالأحداث الكبرى على الصعيد الدولي، هل يعقل أن تبني علاقة إستراتيجية مع دولة تغير إستراتجيتها كل أربع سنوات، مرة أنت أعز أصدقائي ومرة أنت تشبه أعدائي! الاستمرارية والإستراتيجيات بعيدة المدى (بغض النظر عن الإدارة)، هي ما يميز الدول الكبرى، وأمريكا حاليا فقدت هذه الميزة.