عرضت إحدى حلقات المسلسل الرمضاني الشهير (طاش ما طاش) فكرة ثقافة التفاهة والتي تغلغلت في المجتمعات وأصبحت تسيطر على الكثير من خلال إشغالهم بتوافه الأمور والبعد عن القيم والمبادئ التي تعد من أهم الركائز الأساسية لبناء وقوة تلك المجتمعات. وقبل ذلك صدر كتاب الفيلسوف الكندي (آلان دونو) والذي يتحدث فيه عن تأثير الإعلام وشبكات التواصل في ترويج ثقافة التفاهة، مع التغير الذي طرأ على قيم ومبادئ المجتمعات وانحدارها إلى مستوى غير مُرضٍ بسبب سيطرة الفكر التافه على عقول الشباب.

ويرى الكاتب أن قيمة الفرد في المجتمع لم تعد بما يقدمه من خدمات وتضحيات وعمل وإنما تقاس من خلال عدد مرات الظهور في وسائل التواصل وعدد المتابعين ومرات الإعجاب. كما يرى في كتابه أن ثقافة التفاهة غزت الجامعات وأن الحصول على الشهادات العلمية العليا أصبح من أجل البهرجة والظهور الاجتماعي وليس من أجل العلم والحكمة، مع الإشارة إلى كيفية حصول مثل هؤلاء على تلك الشهادات العلمية والتي قد تكون مزيفة أو لم تخضع لمعايير التدقيق المطلوبة. وأن مثل هذه البيئة العلمية أصبحت تفرخ الخبراء الذين يسوقون لنفس الأفكار التافهة مع انحسار كبير لأولئك العلماء الذين يتمتعون بالأفق الواسع والقدرة على الابتكار وحل المشاكل التي تواجه المجتمعات وتعيق حياة الأفراد.

وفي الكتاب نفسه يناقش (آلان ديون) الغباء الوظيفي والذي أصبح يجتاح المؤسسات الحكومية والخاصة، وأن هذه المؤسسات بدأت تركز على المبادرات التافهة والشكليات والاحتفالات والأمور السطحية مع اختفاء الجدية والأهداف المهمة والرؤية المستقبلية والاستثمار الأمثل في المورد البشري.

وفي خاتمة الكتاب يرى ديون أن الانخداع بالمظاهر الخارجية والاتيكيت لا يلغي سذاجة وتفاهة هذه النماذج والتي نراها بعد فترة تنكشف وهي تقع في براثن المخدرات وعمليات النصب والتجارة بالبشر. إن الترويج لثقافة التفاهة لا يزال مستمرًا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، واستطاع التأثير والتشويش على كل مبادرات التميز والإبداع للمجتمعات. بل أصبحنا نرى اختفاء المبادئ والقيم الجميلة لتحل بدلًا منها قيم تنخر في بعض المجتمعات وتجعلها غير قادرة على النهوض أو التفكير بشكل سليم.

إن ثقافة أي مجتمع تقاس من خلال المعرفة والفنون والعادات والقيم والتقاليد وكيف يستطيع هذا المجتمع كسب التحديات وتوفير جودة الحياة لأفراده.

انحسار القيم والفكر والمعرفة أمام (ثقافة السوشيال ميديا) سيؤدي إلى أن الثقافة المجتمعية لن تكون بيد النخبة، وإنما بيد مجموعة تسيطر عليها الأفكار السطحية والاهتمامات البالية.

مثل هذه البيئة ستصنع لنا رموزًا هشة ورخيصة ولن نجد بينهم من يريد أن يفكر بلغة الارتقاء بالمجتمع والخروج من دوامة التهريج والتفاهة. وعندما تسيطر تلك التفاهات على عقول الشباب فلن نجد فكرًا تنويريًا أو قيمًا فكرية وستختفي مفاهيم كثيرة كالإبداع وخدمة المجتمع والوطنية والبذل والعطاء والتضحية.

وأخيرًا إن تعريف التفاهة يعني انسحاب التفكير العميق والتأملي في النظر إلى الأشياء، كما يعني التخلص من القيم والمبادئ والإيثار والمصلحة العامة وتغييب العقل وإعادة صياغة أولويات المجتمع ،حسب رغبة وأهواء فئة تعاني من الخواء الفكري والأخلاقي.