رغم أن حرب السعودية على الإرهاب بدأت بمجرد انتشار تلك الآفة في تسعينيات القرن الماضي، فإن التطورات التي حدثت في تلك الحرب منذ اختيار الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد حققت نجاحات لافتة لأنها اتخذت أبعادا متعددة تمثلت في الاهتمام بالجانب الفكري والاجتماعي، إضافة إلى البعد العسكري والأمني.

كما دشَّن ولي العهد خلال السنوات القليلة الماضية حرباً أخرى لاجتثاث مكامن الفساد المالي والإداري، استهدفت الذين اعتادوا استحلال المال العام وتحويله لمصلحتهم. ولم تستثن تلك الحرب التي اصطفت خلفها كافة فئات الشعب أحداً من الموجودين في المناصب العليا، حيث أوضح سموه منذ البداية أن كافة من تورط في قضايا مالية لن ينجو بفعلته. وقد حقّقت تلك الجهود ولا تزال تحقّق نتائج باهرة، واستردت مئات المليارات التي تمت إعادة ضخها في شرايين الاقتصاد الوطني من جديد.

القاسم المشترك بين عناصر النجاح في الحالتين هو الأسلوب العملي الذي يمتاز به الأمير محمد بن سلمان الذي يميل للإنجاز والأسلوب العملي، ويدرس الأمور بتأنٍ ويحيط بكل جوانبها، ومن ثم يخاطب المشكلات بصورة مباشرة دون إضاعة الزمن في إجراءات روتينية.

الآن تتجه بوصلة ولي العهد نحو محاربة آفة أخرى لا تقل خطورة عن سابقاتها، هي المخدرات التي تحوّلت إلى وباء لم تسلم منه دولة من دول العالم. ورغم أن الحرب الجديدة ضد المخدرات بدأت قبل أقل من أسبوعين فإن النتائج المذهلة التي تمخّضت عنها حتى الآن تشير بوضوح إلى أننا في طريقنا –بإذن الله– لوضع حد لهذا الكابوس الذي يؤرّق مضاجع كثيرين ويثير قلقهم.

ومما يبعث على التفاؤل بتحقيق نتائج مرضية أن كافة عناصر النجاح قد توفّرت، حيث تمت ترقية اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات بقرار من مجلس الوزراء، وأصبح ولي العهد رئيسا لها ومشرفا ومتابعا لكافة أعمالها، وذلك بعد التعديل الذي حدث في فبراير الماضي للمادة الخامسة من نظام اللجنة. كذلك كان لافتا مشاركة وزير الداخلية ونائبه، ووزراء الصحة، والمالية، والموارد البشرية، والتعليم، والإعلام، ورئيسا أمن الدولة والاستخبارات العامة، ورؤساء سدايا، ومركز التواصل والاستشراف المعرفي، ومركز دعم اتخاذ القرار. وهو ما يعني أن جميع الجهات ذات الصلة موجودة في عضوية اللجنة، مما يضاعف قدرتها على تحقيق النجاح واقتلاع المشكلة من جذورها.

ولا يخفى علينا جميعا الآثار المدمرة التي تتركها المخدرات على المجتمع، ودورها في تفكيك الأسر وزيادة معدلات الطلاق وتحويل الشباب إلى عالات غير منتجة تعيش على هامش الحياة وهو ما يهدّد مستقبل الأمم والشعوب التي تصاب في أعز ما تملكه وهو ثروتها البشرية.

لكن ما أود تجديد التأكيد عليه هو أن بلادنا تواجه حربا شعواء من جهات معادية لا تريد لها السير في طريق التقدم والنماء، ودوائر شريرة لم ترض الأنفس المريضة لأصحابها، التي امتلأت بالغل والحسد بعد أن شاهدوا المملكة وهي تسرع الخطى نحو النهضة والتطوّر، وعندما فشلت في إعاقة مسيرتها لم تجد سوى أبنائها وشبابها لتسدّد نحوهم سهامها المسمومة.

لكن أقول بالصوت العالي إننا مطالبون اليوم قبل الغد بأن نقوم بدور ريادي في إنجاح هذه الحرب المباركة، لأن الجهود الحكومية ليست كافية على الإطلاق لتحقيق النجاح ما لم ترافقها حملة مجتمعية وشعبية شاملة يسهم فيها كل منا حسب طاقته ووسعه.

لن يجدي أن نقف موقف المتفرج وننتظر الخلاص من هذا الكابوس الرهيب، فلا بد أن نتحول جميعا إلى غرف عمليات متحركة تقوم بالتبليغ عن المشبوهين والغرباء الذين يتجولون داخل أحيائنا السكنية لتوزيع السموم على أبنائنا، ومن الضروري الإشارة إلى أن نظام حماية الشهود والمبلّغين يوفّر الحماية الكاملة لسرية بيانات من يقومون بالإبلاغ.

ومن الضروري أن ننبذ كافة من يقفون وراء تفشي هذه السموم في بلادنا، وألا نمنحهم الفرصة للظهور الإعلامي أو في مجالسنا، وعلى عاتق الآباء والأمهات يقع العبء الأكبر للمبادرة بتسليم أبنائهم الذين وقعوا في فخ التعاطي لأقرب مراكز علاج المدمنين، وعدم الانسياق وراء أوهام العيب والخوف من الوصمة الاجتماعية، فهذا السلوك –إضافة إلى أنه يشكّل مخالفة للنظام– فإنه خطيئة أخلاقية لا تغتفر، فمن يشاء حظهم العاثر أن يقعوا في فخ التعاطي يمكن أن يتعافوا سريعا ويعودوا إلى حضن عائلاتهم ومجتمعهم أعضاء فاعلين ومنتجين من جديد، إن أحسنا التعامل معهم وأخذنا بأيديهم وعالجنا أسباب انحرافهم.

أما إذا تسترنا على مشكلاتهم وشغلنا أنفسنا باعتبارات سالبة وأفكار بالية فإننا نكون خائنين للأمانة التي وضعها الله، سبحانه وتعالى، على أكتافنا عندما جعلنا مسؤولين عنهم، ولن ترحمنا ضمائرنا ونحن نراهم يذبلون ويموتون ببطء أمامنا، وسنكون أول المتضررين من وصولهم لمراحل الإدمان لأنهم سيتحولون إلى وحوش ضارية يمكن أن تلجأ للسرقة والاعتداء وحتى القتل للحصول على المال اللازم لشراء تلك السموم.

هي دعوة لكافة أفراد المجتمع للمسارعة بالمشاركة في وضع خاتمة سعيدة لهذه القصة المأساوية، بإمكاننا أن نكتب سطورها معا إذا تخلينا عن السلبية وشاركنا بفاعلية في التصدّي لمن يريدون بنا شرا، فهؤلاء أعداؤنا الذين حشدوا أسلحتهم الخائبة لهزيمتنا. ولأن عزيمة الشعب السعودي مثل جبل طويق كما يقول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان فإن أمامنا مهمة سامية وواجب مقدس لن يكون مقبولا –تحت أي مبرر- التقاعس عن القيام به، وكلي ثقة بأن المملكة قادرة على هزيمة أعدائها، بإذن الله.