استوقفني فيديو قصير، انتشر الأسبوع الماضي لطفل محتد وغاضب، تكاد تتفجر ملامحه البريئة بسبب تعثر فريقة الذي يشجعه، وفي زحام كلماته المتسارعة الناقمة قال إن اللاعب الفلاني «متخاذل»، بخلاف تعجبي من تعصبه المبالغ فيه والمشهد بأكمله، إلا أن كلمة «متخاذل» من الطفل لفتتني كثيرًا.

أزعم بأن الكلمة من المفردات الفصيحة المتقدمة لغويًا عن عمر هذا الطفل، ولكنه بكل تأكيد استنسخها من مجتمعه وبيئته، وهي بالمجمل كلمة دارجة في المجتمع الرياضي كثيرًا، يوصف بها اللاعب الذي لا يقدم مجهودًا كافيًا مع زملائه في الملعب، لكن مؤخرًا امتدت هذه الكلمة للحياة الخاصة باللاعب.

أدرك تمامًا بأن حياة المشاهير زجاجية شفافة، تتيح للجميع حق الحديث عنها، كونهم فقط شخصيات عامة، فهذا الطفل (الجاهل) سمح لنفسه بالخوض في حياة اللاعب، ووصفه بالمتخاذل، وقارن بين جهود اللاعب وبين ما يقدمه للنادي نظير المبالغ التي يحصل عليها وقيمة عقده، وكأنه مراقب مالي محترف، صاحب اختصاص وقيمة اعتبارية!

هذا الطفل ما هو إلا عينة لمجموعة كبيرة ومن فئات مختلفة تستخدم الكلمة نفسها للفكرة نفسها، اكتب فقط في محركات البحث (قوقل أو تويتر أو أي محرك بحث) عن كلمة (متخاذل) ستجد مئات بل آلاف المنشورات حول لاعبين، وكأنه وصف ارتبط بهم.

إذا كانت هذه المعادلة إذن كم متخاذل لدينا في كل فروع الحياة؟

وإذا كانت النظرية، كم تقدم مقابل ما تجني سنحتاج لسلسلة من المقالات، فالتخاذل نعيشه ونمارسه بأنفسنا ولكننا لا نرى حقيقتنا كما نرى هؤلاء اللاعبين، أتفهم كون لعبة كرة القدم عاطفية حماسية، ولكنها مرتبطة في النهاية بإنسان يشبهنا في كل شيء.

فمن مفارقات (التخاذل) قد يكون الشخص الذي يصف اللاعبين بالتخاذل تتراكم المعاملات على مكتبه تحت ذمة التسويف، وقد يستأذن في وقت حساس يحتاجه العمل خلاله، فقط من أجل مباراة.. فهل يحق هنا أن يصف اللاعب هذا الموظف بـ(التخاذل)؟

الأسوأ من ذلك هو ترسيخ مفهوم التخاذل، وأن أي تعثر أو انكسار أو هزيمة توصف بالتخاذل، دون الأخذ بعين الاعتبار عظم هذه الكلمة ودلالاتها لا عند الأطفال ولا حتى عند البالغين المتعلمين.

فمن يقرأ التاريخ يدرك أن (التخاذل) دائمًا ما يوصف به الطابور الخامس والجيوش في المعارك، حينما تحدث خيانات يطلق عليها تخاذل، أما إطلاق الوصف وبشكل مبتذل وسطحي عقب خسارة مباراة كرة قدم، تجاه لاعبين اجتهدوا ولم يوفقوا، هو إجحاف وتجن بحق اللغة العربية أولا، ثم بحق اللاعبين، ثم بحق المجتمع.