أثار منشور تم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي جدلا حول المقصود بوصف الرسول، صلى الله عليه وسلم، بأنه أمي، وأن المقصود بها هو نسبته لأم القرى، ويؤكد أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ ويكتب، مما حمل أبعادا قد تشكك في رسالة النبي والوحي.

ويقول وكيل جامعة طيبة للشؤون التعليمية سابقا، الدكتور أسامة بن إسماعيل عبدالعزيز: «من أشد ما عني بإثارته المشككون والمستشرقون والمتشككون في نبوة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، عبر التاريخ هو إنكارهم أميته، وإقامة الشواهد على ذلك بإثارة شتى الشبهات والسبل والحيل، فأخذوا يتأولون الآيات الصريحة، والأدلة النقلية والعقلية التي تدل على أميته، عليه الصلاة والسلام، وينكرون الأدلة من السنة الصحيحة التي تثبت أميته، بما لا يدع مجالا للشك».

ويضيف: «الهدف الخفي لأولئك في إقامة الحجج الواهية على أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ ويكتب، ومن ثم عدم صدقه في ادعاء أن ما جاء به وحي يأتيه من الخالق، أنه نقل ما جاء به من الأمم والكتب السابقة، وأنه كان على علم بها، وبما فيها، كي يطعنوا في نبوته، لتقويض رسالته، وإبطال زعمه بالرسالة، وأنه كان ينظم الآيات والسور، ويدعي أنها وحي يوحى إليه، وكل ما أثاروه من الشكوك والتشكيك في أميته لم يكن إلا ذريعة ووسيلة للوصول إلى غايتهم في إثبات عدم صحة ما يدعي أنه وحي أوحي إليه من رب العالمين».

ويوضح د. أسامة ما يقصده المسلمون من نفي صفة الأمية عن النبي، صلى الله عليه وسلم: «تبني بعض المسلمين تلك المزاعم والافتراءات تنزيها للرسول، صلى الله عليه وسلم، من الأمية التي تعد بين الناس صفة ذم ونقص، وليست صفة كمال في حق أي إنسان، وحاولوا بحسن نية تنزيه جنابه الشريف من هذه الصفة التي لا تليق بالإنسان العادي، فضلا عن النبي الكريم، لكن غاب عنهم أن الأمية في حق النبي، صلى الله عليه وسلم، من أعظم دلائل نبوته وصدقه، وهي في حقه صفة كمال وإعجاز».

دلائل وحجج

يشير الدكتور أسامة: «أركز بالأدلة والحجج القاطعة على أنه صلى الله عليه وسلم كان أميًّا، وأن هذا نعت شرف له، ومزية اختص بها، وأنه على الرغم من عدم قدرته على القراءة والكتابة جاء بأعظم كتاب معجز».

ويبيّن: «من أظهر الأدلة على صدق نبوته هي أُميَّته؛ فقد جاء وهو أمي، لا يقرأ ولا يكتب، بالقرآن الكريم، ومن الأدلة من القرآن والسنة وأقوال العلماء على أميته:

أولا: من القرآن الكريم قوله تعالى: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ»، وقوله تعالى: «مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ»، وقوله تعالى: «وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا»، وقوله تعالى: «وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا»، وقوله تعالى: «وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ»، وقوله تعالى: «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ»، وقوله تعالى: «لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ».

ثانيا: من السنة ما رواه البخاري عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها حديث بدء الوحي، حيث قالت: «أول ما بدئ به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبِّب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه، وهو التعبد الليالي أولات العدد قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، فقال: اقرأ، قال: قلت ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق، حتى بلغ ما لم يعلم، قال: فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة، فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الريع».

ومن الدلائل أيضا الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب عن صلح الحديبة، إذ قال: «إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَسْتَأْذِنُهُمْ لِيَدْخُلَ مَكَّةَ، فَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُقِيمَ بِهَا إِلَّا ثَلاَثَ لَيَالٍ، وَلاَ يَدْخُلَهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلاَحِ، وَلاَ يَدْعُوَ مِنْهُمْ أَحَدًا، قَالَ: فَأَخَذَ يَكْتُبُ الشَّرْطَ بَيْنهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَكَتَبَ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ نَمْنَعْكَ وَلَبَايَعْنَاكَ، وَلكِنِ اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، فَقَالَ: «أَنَا وَاللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، وَأَنَا وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ»، قَالَ: وَكَانَ لاَ يَكْتُبُ، قَالَ: فَقَالَ لِعَلِيٍّ: «امْحَ رَسُولَ اللَّهِ»، فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ لاَ أَمْحَاهُ أَبَدًا، قَالَ: «فَأَرِنِيهِ»، قَالَ: فَأَرَاهُ إِيَّاهُ، فَمَحَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَده.. الحديث، فلو كان يقرأ لما قال لعلي عنه: أرنيه.

نفي صريح

يؤكد الدكتور أسامة: «يتبين من الآيات السابقة وغيرها في كتاب الله تعالى، والأحاديث الصحيحة الثابتة أن مجموع هذه الشواهد واضحة في الدلالة على أن النبي كان نبيًّا أميًّا، لا يقرأ ولا يكتب، حيث تضمنت الآيات نفيا صريحا لعدم معرفته بالقراءة والكتابة، وهذا المعنى يكاد أيضًا يجمع عليه المفسرون، إذ فسر البغوي الآية: «وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ»، يعني من قبل ما أنزلنا إليك الكتاب، و«وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ»، يعني ولا تكتبه، ويعني لم تكن تقرأ ولا تكتب قبل الوحي، و«إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ»، يعني لو كنت تقرأ أو تكتب قبل الوحي لشك المبطلون المشركون من أهل مكة، وقالوا: إنه يقرؤه من كتب الأولين، وينسخه منها».

الأمي هو المنسوب لأم القرى

يفند الدكتور أسامة ما أثاره البعض عن أن المقصود بالأمي نسبته إلى أم القرى، إذ يقول: معاجم اللغة تجمع على أن الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب. ففي لسان العرب الأُمِّيّ الَّذِي لَا يكتب، وقال الزجاج: الأمي الذي يكون على خلقة الأمة، لم يتعلم الكتاب، فهو على جبلته، وفي القرآن الكريمِ: «وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ»، وقال أبو إسحاق: معنى الأُمِّيّ المنسوب إلى ما عليه جبلته أمه، أي أنه لا يكتب.

فهل خفي عن كل هؤلاء العلماء المعنى الحقيقي لكلمة «أمي» طيلة هذه القرون والسنين، ثم ما الفائدة من هذه النسبة؟.. إنه من المعلوم أن الإنسان عندما ينسب إلى مكان، فإنه يُنسب إليه لكي يعرف به، ويميزه عمن سواه، كأن يقال: مدني أو شامي أو مغربي، فهل هذه النسبة «أمي» لو سمعها إنسان يمكن أن يدور بخلده أن المقصود نسبته إلى «أم القرى».. ما الذي يعلم هذا الإنسان أن المقصود «أم القرى» وليس مثلًا الأم أو الأمة؟.

إن النسب يكون إلى شيء معروف لا إلى شيء غامض كهذا، فضلًا عن أن هذه النسبة لم تكن مشهورة عند العرب، ولم يعرف في كتب التاريخ أن أيًّا من العرب كان نسبه «أمي» نسبة لـ«أم القرى»، فالعرب تعرف معنى«الأمي»، ولم تعرف بنعت «أم القرى» إلى بعد أن نزل بها الوحي».

كتاب الوحي

والدليل يضيف الدكتور أسامة أن النبي اتخذ لنفسه كتّابًا يكتبون الوحي، ولم يذكر التاريخ أنه كتب ما يوحى إليه من الوحي بنفسه ولو لمرة واحدة، ولو كان يجيد القراءة والكتابة لفعل ذلك ونقل عنه، ويؤكد هذا ما رواه البَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حيث يَقُولُ: «لَمَّا نَزَلَتْ «لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، زَيْدًا، فَجَاءَ بِكَتِفٍ فَكَتَبَهَا»، فلو كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يقرأ ويكتب لما بعث إلى زيد -رضي الله عنه- لكي يأتي له ليكتب الآية.