في الانتخابات التركية السابقة كان الرئيس إردوغان يجتازها بجدارة وبلا منافسة تذكر.. أما هذه المرة كان المخاض عسيرا والفوز في الجولة الثانية، بعدما اشتد عود المعارضة وأصبح الفارق ليس بكبير لولا بيضة القبان بعد انضمام أصوات سنان أوغان له في الساعات الأخيرة، مما يتضح في المحصلة أن تأثير إردوغان قل عما كان عليه في الانتخابات السابقة؛ لذلك عليه النظر ليس إلى الفرح بالفوز وإنما النظر إلى أسباب التراجع، لأن الانتخابات الديمقراطية هي المعيار في تقييم أداء القوى السياسية، لذلك يحتاج الرئيس إردوغان إلى وقفة ودراسة معمقة لسياسته الداخلية والخارجية لمعرفة أسباب عدم فوزه في الجولة الأولى، أما في مجال السياسة الداخلية لا أحد يستطيع أن يشكك في الإنجازات التي حققها إردوغان للشعب التركي، وهي التي جعلت الكثير من شرائح الشعب متمسكا بها. أما السياسة الخارجية فهي البوابات والنوافذ التي يمكن أن تدخلها الرياح من كل جانب، خصوصاً عندما تحصل إخفاقات قد تستغل للتأثير على نتائج العملية الانتخابية، ولا أحد يستطيع أن ينكر الثغرات التي حصلت في سياسة إردوغان الخارجية وعدم الوضوح في كثير من المواقف، والتقلبات في القرارات التي يفترض أن تكون ثابتة، خصوصاً في القضايا المبدئية التي تتعلق بسياسات المنطقة، ولا نريد تكرار بيان تلك المواقف من سوريا وليبيا وجماعة الإخوان في مصر، والتدخل العسكري في العراق، وكذلك القضية الفلسطينة التي دخلت في باب المزايدات لا أكثر، ومثل هذه المواقف كما أشرنا في مقال سابق أفقدت إردوغان مصداقيته في السياسة الخارجية، وجعلت الكثير لا يتعاطف معه عندما اختلف مع أمريكا والغرب بسبب فك قيود الحقبة الأتاتوركية على مظاهر الدين، لذلك يفترض بالرئيس إردوغان المصداقية في السياسة الخارجية عند التعامل مع الآخرين، والتركيز على القريب قبل البعيد، أي لا يجعل الأحلام البعيدة تفسد العلاقات القريبة مع دول الجوار، وخصوصاً الدول العربية التي يمكن اعتبارها العمق الإستراتيجي لتركيا، والعكس صحيح، لهذا نتمنى أن تكون مناهج السياسة الخارجية الجديدة لتركيا متزنة وقائمة على إصلاح ما أفسدته طموحات الرئيس، والأخطاء التي أدت إلى الابتعاد عن التعامل معه، والتشكيك في الكثير من مواقفه، أي لابد وأن يكون شعار تركيا في المرحلة القادمة «ماذا سيكون حال الشرق الأوسط لو كان هناك توافق صادق وتنسيق مشترك مع دول المنطقة»، وترميم ما حصل من خراب في العلاقة مع العرب، والتي أدت إلى تمييع مواجهة الأخطار الكبيرة التي تعصف بالمنطقة، لأن قوة الفرد كما هو معروف من قوة المجموع، واليد الواحدة لا تصفق.