في ليلة ما، وصل لقسم الطوارئ أب يحمل بين يديه ابنه ذي الخمسة أعوام، متشنجًا، غائبًا عن وعيه، وزبدٌ يخرج من فمه، لولا تشنج أطرافه لظنناه ميتًا. بعد الإسعافات الأولية توقف التشنج واستعاد وعيه، تنفس الأب والمنقذون الصعداء، ما الذي حدث للطفل؟

لا شيء، مجرد غثيان أصابه فوصف له الطبيب دواء، أخذ الطفل جرعة كبيرة، لا تناسب وزنه ولا عمره! لماذا هذه الجرعة؟ سئل الأب، فقال: (هكذا قال طبيبه ونحن نتبع تعليماته وكأنه رسول)!. حقًا، أتراه كذلك؟!.

كيف لنا أن نقول له إنه أخطأ، وإذا عرف ذلك، هل سيثق في طبيب بعد ذلك؟ أم سيسكنه هاجس الخطأ فيصبر على مرضه ويفضل ألا يموت بغلطة؟. الطبيب لم يكن مختصًا، عيادة خاصة وطبيب عام -لا نستطيع التعميم- ولكن لماذا يتحرج طبيب من قول (لا أعرف)، فـ(من قال لا أعرف فقد أفتى).

ليس من الضروري، أن يخرج المريض من العيادة بكثير من الأدوية، الأشعة والتحاليل ليست الجزء الأهم من التشخيص، بل القصة المرضية والفحص السريري لهما الدور الأكبر في ذلك، حينها تتقلص القائمة لتنحصر في مرض أو اثنين أو ربما ثلاثة، نحتاج معها إلى فحص أو فحصين لتأكيد التشخيص، وأحيانًا لا يلزم إجراء أي فحص، قصص المرضى الذين يصلون للمستشفيات متأخرين كثيرة، لأنهم أضاعوا الوقت مع طبيب غير مختص، وتشخيص خاطئ أو دون تشخيص ودواء غير فعال، فتتدهور الحالة الصحية، إنه استنزاف مالي وإهمال صحي.

قبل أيام وصل للمستشفى مولود يعاني من ضيق شديد في التنفس، لم يتجاوز عمره21 يومًا، لم يكن الضيق أمرًا جديدًا، ولكن كيف صبر أهله حتى ساءت حالته؟

لا يمكن أن تلوم والدين طفلهما يحتضر.

باغتنا سؤال الأم: هو لسه عنده التهاب رئوي؟

كيف عرفت؟

طبيب في عيادة خاصة شخصه كذلك، ووصف له مضادًا حيويًا بالفم.

بأي عرف طبي يحدث هذا؟! إنه مولود، كيف لرئتيه أن تصمدا أمام الالتهاب دون تنويم ورعاية في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة؟

الأمر ليس بسيطًا، كان على الطبيب أن يحوله إلى مستشفى، لا عيب في ذلك، ليس نقصًا في المعرفة بل لكمال معرفته أن الحالة تحتاج إلى إمكانيات أكبر من تلك المتوفرة في عيادة صغيرة، ومات المولود نتيجة تأخر العلاج.

المستوصفات والعيادات غير المختصة ليست بالمكان الأمثل لعلاج مولود أو مريض حالته الصحية سيئة. المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة هي الخيار الأفضل، حيث الإمكانيات والتخصصات الأوسع والتدخل الأسرع.

نصيحة.. اهرب من الطبيب الذي يتجاوز تخصصه، لا يوجد طبيب يعرف كل شيء، فلكل تخصص علم ولكل علم مراجع مختلفة، إعطاء دواء لا ينفع وغير مناسب للحالة يسهم في تأخير التشخيص وحدوث المضاعفات، أحيانًا يصرف الطبيب دواء لكل شكوى! هذا مُقلق. الطبيب يعالج المرض ليختفي العرض، مقولة (إذا ما نفع ما يضر)، غير مجدية، في الطب (الذي لا ينفع، يضر). إعطاء المحاليل الوريدية والمضادات الحيوية بالعضل من دون حاجة في بعض المستوصفات الخاصة هو استغلال وغالبًا لا حاجة إليها، المريض الذي يحتاج إلى رعاية طبية من المفترض تحويله للمستشفى، لتجنب تأخر التشخيص وتعطل العلاج ومن ثمّ تطور المرض.

رسالتي للقارئ.. اختر الطبيب المختص لحالتك، (طبيب الباطنة) لا يعني طبيبًا مختصًا بأمراض البطن فقط، إنما مختص بأي مرض باطني ومنه تخصصات دقيقة، (طبيب الأسرة) متخصص أيضاً، المنشأة الصحية التي فيها إمكانيات، المستشفيات الحكومية الكبيرة خيار جيد إذا تنازلنا عن خدمة فندقية، ولا تثق في طبيب يعمل في غير تخصصه، ودمتم بصحة.