من القديم المتجدد، عن الحج، ما سطره قبل أكثر من 15 سنة المهندس المبدع عبدالعزيز عبدالله كامل -رحمه الله- المعروف بربطه بين التنمية العقارية والتنمية الإنسانية، وأحد أبرز المطورين العقاريين المهتمين بالحضارة الإسلامية، والبحث العلمي المتواصل في تداخل العمران مع جميع مظاهر الحياة البشرية، وصاحب البصمات الواضحة في عديد من المشاريع العمرانية في المملكة، ومنها مشروع تطوير طريق الملك عبدالعزيز أو الطريق الموازي، ومشروع المخطط الاستراتيجي بمكة، ومدينة الملك عبدالله للتقنية بالشميسي، ومشروع وسط البلد أو المنطقة التاريخية، ومشروع تطوير منطقة قصر خزام بجدة، ومشروع مدينة أبها، وغير ذلك كثير، والمشهور بالسمعة الناصعة، وبالمسابقة للخيرات، وبالأفكار النيرة عن الأوقاف، وصاحب المقولة المشهورة: «كونوا رحماء على العقار ليكون رحيماً بنا».
في كتابه «خواطر في العمران»، بضع صفحات رائعات عن عمران الحج، ومما أورده شجونه عن جوهر الحج، وجوهر مهنة الطوافة، وهناك بين لمن كان معه، ولمن سيأتي بعده، خطأ من يحاول تحويل الحج إلى سياحة عادية إلى منطقة عادية، أو أن المطوف مشغل سياحي عادي في منطقة عادية لسائح عادي، وتوقفت كثيراً عند تناوله، رحمه الله، لوظيفة من شرفه الله بالسكنى في مكة المكرمة، فيقول مستشهداً بقوله تعالى: {رَّبَّنَآ إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْـِٔدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىٓ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}: الإقامة هنا أوسع من مجرد إقامة الصلاة والأذان والإقامة لها، فهي تشمل تطهير المكان، والبيئة، وتوفير سبل الراحة والطمأنينة، والخدمات والمرافق، وحسن الإدارة، والبناء، والعمالة، والتشغيل، والمواصلات، وكل ما يمكن أن يساعد من عناصر إذا لم توجد لن يؤدي ملايين الحجيج والمعتمرين الصلاة كما يجب، وأضاف: أن مكة المكرمة تهوي أفئدة أناس غير مؤمنين، قد توقد في قلوبهم الرغبة في معرفة الدين، وقد يهديهم الله تعالى للطريق المستقيم، وبين في آخر استنباطه الرائع من الآية ذاتها أن الهوى المذكور، منصب على ساكني مكة ولمن يخدم مكة، بدءاً، كما قال، من خادم الحرمين الشريفين، جزاه الله تعالى خير الجزاء، إلى أصغر مؤد ومقدم للخدمة المساعدة على إقامة الصلاة.
في (الخواطر)، عرج المهندس عبدالعزيز على تسلسل الطوافة في أسرته، وحرص والده عبدالله كامل، على التفرغ لخدمة الحجاج، وكيف كان يسير مع أخويه حسن وصالح، تغمدهم الله جميعاً برحماته، في شوارع مكة، بحثاً عن الحافلات، ودخولهم لمطابخ أكل الحجاج، ومراقبة الطباخين، وحملهم لصحون الأكل وتقديمها لهم، وقبل ذلك ترتيب جوازاتهم واستقبالهم، والبحث عن الضائعين، وإعانة المرضى، والدراسة والتعمق في كل ما يمكن من الإجابة عن أسئلتهم.
وأختم بقيمة مهنة الطوافة، عند المهندس عبدالعزيز، بأنها ليست تجارة أو علوماً أو علاقات، بل هي في المقام الأساس (علاقة إنسانية بخلق ديني رفيع)، ومن دلائل ذلك كما شهدته وشهده غيري، مجالس العلم التي كانت تعقد في بيوت المكيين، للعلماء الأفاضل، من ضيوف الرحمن.