ومن خلال هذه التقنية برز التدوين الرقمي بأنواعه المتعددة، وذاع صيت من ينشرون أخبارهم ويومياتهم على تلك الشبكات، وأصبحوا حديث الناس في كل مكان، إلا أنه وبعد مرور ما يقارب العشرين عاما على ظهور تلك الشبكات برزت العديد من المشكلات الاجتماعية والصحية والأخلاقية، التي تضاعفت بشكل هائل بسبب إدمان تلك المواقع، وبدأت حركة نزوح كبيرة والإقلاع عنها، وأخذت المؤسسات الكبرى التي تدير مواقع التواصل الاجتماعي كشركة (ميتا) تشعر أن فقاعة (WEB 2.0) قاربت على الانفجار والتلاشي، حيث لاحظت الشركة انخفاضا متزايدا للمستخدمين النشطين، بل إن إيلون ماسك نفسه وهو مالك شبكة تويتر الجديد تساءل في وقت سابق من العام الماضي: هل تويتر بصدد الاحتضار؟
المشكلة بكل وضوح ليست في التقنية نفسها، ولكن في الاستخدام السلبي لتلك الشبكات في تشكيل الوعي الاجتماعي للمستخدمين، من خلال كثير من المدونين وصانعي المحتوى الذين ينشرون التفاهات وإضاعة الوقت بشكل أدى إلى وصول الكثيرين للحظة الامتلاء والانفجار، وهي اللحظة التي ودعوا فيها الهواتف الذكية، وهجروا تلك الشبكات ليعودوا إلى حياتهم الطبيعية، ويتخلصوا من حالة الجنون الرقمي التي عانوا منها بسبب متابعة تلك الشبكات.
والدليل على قرب العزوف الجماعي عن تقنيات (WEB 2.0) هو الارتفاع الحاد لمبيعات الهواتف (الغبية)، والحنين إلى ما مضى من ذكريات استخدام الهواتف النقالة، كونها وسيلة للاتصال بالأهل والأصدقاء، وهذا الأمر من الدلائل القوية على سأم الناس من الاتصال الدائم بشبكة الإنترنت، والاطلاع على يوميات المشاهير.
تُظهر دراسة أجرتها مجموعة ديلويت (Deloitte) للمحاسبة عام (2021) أن واحدا من بين كل 10 مستخدمين للهواتف المحمولة يمتلك (هاتفا غبيا)، وهذا يدل على أنه مهما حاولت الشركات التي تدير شبكات التواصل الاجتماعي العالمية المحافظة على مستخدميها، إلا أنها في النهاية سترضخ للأمر الواقع وهو اضمحلال تلك التطبيقات في المستقبل واختفائها في النهاية. لذا تسعى حاليا للبحث عن بديل لتقنية (WEB 2.0) وبسرعة لكي تقدم منتجات تحل محل شبكات التواصل الحالية، ولعل تقنيات ميتا فيرس وغيرها تحل محلها في القادم من الأيام.
لكن لا بد أن ندرك أن المسألة ليست في تغيير التقنيات وإنما في تغيير ما يُقدم من خلالها، وهذا هو الرهان الحقيقي لشركات التقنية، وهو تقديم منتجات تقنية متوازنة، والبحث عن أساليب أخلاقية لتقديم المحتوى المتوازن الذي يركز على التنمية البشرية وتنويع مصادر الجذب الأخلاقي للتقنية، وليس ترك المجال لصانعي محتوى ليعيدوا أخطاء تقنية (WEB 2.0) من جديد.