زفت رابطة العالم الإسلامي الأسبوع الماضي خبرًا في غاية الأهمية عن إطلاقها الهيئة العالمية للحقوقيين، كإضافة مقدرة للجهود الرامية نحو الدفاع عن الإسلام ضد المتربصين وأصحاب الأغراض والأهواء من دعاة الإسلاموفوبيا، الداعين لإبقاء العالم في حالة من التوتر عبر إذكاء الكراهية والدعوة للإقصاء، إضافة للدفاع عن قضايا الأقليات وإيضاح الصورة الحقيقية الناصعة للإسلام ومنهجه الوسطي الداعي للتسامح والتفاعل، والرافض للعزلة والانكفاء، وتكتسب هذه الخطوة أهمية بالغة لا سيما أنها تأتي في وقت تصاعدت فيه سهام الكارهين الساعين للنيل من الإسلام والذين يرمونه بأبشع التهم والأوصاف، ويربطون بينه وبين الإرهاب.

ومما أثلج الصدور وبث الطمأنينة في النفوس أن الهيئة الوليدة قد ولدت وهي تمتلك كافة أدوات نجاحها، تلك الكلمات الضافية الواضحة التي أطلقها معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، الذي شدد على أن الهيئة سوف تستقطب أبرز الكفاءات العالمية المتخصصة في مجال القانون، وهو ما سيضع حدًا لمعالجة أخطاء ومزالق وثغرات المتصدرين للأطروحات الحقوقية ذات السجال الكبير دون امتلاكهم الأدوات اللازمة، مؤكدًا أن الإسلام قوي بحقيقته، ثم بأدواته، وأن الضعفاء ومن لا يمتلكون قضيةً عادلة أو يفتقدُون أدوات إيصالها هم وحدهم الذين يخشون الحوار.

هذا الفهم المتقدم والرؤية الواضحة تصلح أن تكون خارطة طريق أساسية لعمل الهيئة، فالكثيرون ممن كانوا يتصدرون لهذا العمل الكبير في الماضي كانوا من غير المتخصصين الذين لا يمتلكون أدوات النجاح، ويفتقرون إلى القدرة على معرفة الطريق الصحيح لتحقيق أهدافهم؛ لذلك لم يكن لأعمالهم أثر يذكر، ومع التقدير الكامل لجهودهم ومساعيهم إلا أن النوايا وحدها لا تكفي لتجويد العمل والوصول للنتائج المرجوة.

لكن لأن الدكتور العيسى ممن حملوا على عاتقهم مهمة التعريف بصحيح الإسلام، وارتضى أن يحمل هذه المسؤولية رغم ضخامتها وجسامتها، وطاف معظم أنحاء المعمورة، شرقًا وغربًا وشمالا وجنوبًا، ولا تكاد توجد دولة في العالم إلا وكان له فيها أثر واضح، من هنا فإنه وبحكم وقوفه على حقيقة الأوضاع استطاع أن يشخِّص العلة وأن يعرف وصفة العلاج.

ومما يزيد من أهمية الهيئة الجديدة أنها ستكون إحدى مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية التي باتت تمتلك مصداقية كبرى، وأصبحت مراكز صنع القرار الدولي تعتمد عليها بصورة أكبر، وتتعامل مع تقاريرها بمنتهى التقدير؛ لأنها متحررة من قيود الروتين الحكومي.

ومن أكثر المنظمات تأثيرًا وحضورًا على الساحتين الإقليمية والدولية هي تلك التي تعنى بالشأن الحقوقي، مثل منظمات حقوق الإنسان، ورغم أن كثيرًا من هذه المنظمات تخلط الشأن السياسي في عملها وتخضع للضغوط من الدول الكبرى، إلا أن ذلك لا يلغي أهميتها ولا يقلل من قوة تأثيرها، فكثير من القرارات التي تتخذ في مجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وغيرهما من الجهات المشابهة تبنى في الأساس على تقارير تصدرها تلك المنظمات.

ونظرة سريعة إلى الواقع المحلي توضح أنه رغم تشجيع الدولة على الاندماج في هذا المجال، وصدور نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، إلا أن المحصلة النهائية تبقى دون الطموح لأسباب متعددة في مقدمتها عدم التخصص، والركون لأساليب تقليدية في العمل، وعدم امتلاك صورة متكاملة للواقع الراهن إلى غير ذلك من الأسباب.

لكن الهيئة العالمية للحقوقيين التي أعلنت رابطة العالم الإسلامي عن قيامها سوف تستفيد حتمًا من كافة الإيجابيات السابقة لتعزيزها، ومن السلبيات لتجاوزها، مستنيرة بالرؤية المتكاملة لدى الرابطة، ورغبتها في تحقيق التقارب بين أتباع كافة الأديان، وطريقة تعاملها العصرية مع الأحداث، وهو ما قادها إلى تحقيق العديد من الإنجازات التي نالت بها جوائز عالمية وأوسمة رفيعة من مؤسسات دولية مرموقة.

ومن أبرز ما لفت نظري في برنامج الهيئة الجديدة أنها لا تحصر نطاق عملها في إطار الدول الإسلامية فقط، بل تتعامل مع العالم أجمع، وهذه نقطة في غاية الإيجابية؛ لأن الإسلام ليس دين عزلة وانكفاء، كما أن الرابطة ظلت طيلة السنين الماضية تدعو المسلمين للتفاعل مع الآخرين، وتنادي بتعزيز المبادئ الإنسانية، باعتبارنا جميعًا إخوة نتشارك الحياة في هذا الكوكب، إضافة إلى أن الوضع السياسي والحقوقي العالمي في الوقت الراهن يتسم بالترابط؛ لذلك ليس من الحكمة اقتصار العمل في نطاق جغرافي أو عقائدي معين.

كذلك فإن المجلس العالمي للمحاماة والمركز الدولي للتحكيم، اللذين تنوي الهيئة الجديدة إنشاءهما سيمثلان دعمًا إضافيًا مقدرًا لمجتمع القانون والعدالة، حيث يمكن لهما القيام بدور كبير في تنسيق أعمال المحامين بما يؤدي لترسيخ الثقافة القانونية وجعلها جزءًا من تراث المجتمع، إضافة إلى إثراء المجال الاقتصادي، وخصوصًا في ظل أجواء الانفتاح التي تشهدها المملكة.

كما تزداد الآمال في أن تشكّل الهيئة العالمية للحقوقيين مظلة تجتمع تحتها الجمعيات والمنظمات الحقوقية الموجودة في الدول العربية والإسلامية، وأن تعمل على تطوير آلياتها ووسائلها بالكيفية التي تمكنها من تقديم النصح والمشورة لتلك الدول؛ لتعديل ما قد يتعارض في قوانينها وتشريعاتها ودساتيرها مع القوانين الدولية، وتنسيق الجهود في القضايا ذات الاهتمام المشترك.

ولا شك في أن رابطة العالم الإسلامي التي عودتنا دومًا على مثل هذه الخطوات الرائدة قادرة في ظل قيادة أمينها العام، الشيخ الدكتور محمد بن عبد العيسٍى، وطاقمه المعاون على تضمين كل تلك الآمال حتى تضطلع الهيئة بالأدوار المنوطة به وتحقق التوقعات والتطلعات المرجوة.