«زي وجهك».. عبارة طالما فجرت غضب كثيرين وأشعلت المشادات، وقادت أحيانا إلى ما لا تُحمد عقباه.

إنها نموذج لعبارات عدة تعد من قبيل العبارات «حمّالة الوجوه»، فقد يراد بها الذم، وقد يراد بها المديح.

وفي وقت يؤكد فيه مختصون أنه لا يجب الحكم مبكرا على قائل العبارات بشكل مباشر، وأنه يفترض التروي في التعاطي مع عبارته، ومحاولة استقراء تعابير وجهه لتمييز دافع تلك العبارة التي تمزج بين الذم والمدح، وبين الجد والمداعبة.

ويستخدم كثيرون عبارات تحمل وجوها عدة، منها «خليك ذيب»، و«كلك على بعضك» و«إحنا اخوات»، وغيرها، وقد تفهم من قبيل التحفيز والتشجيع والمدح، كما تفهم من قبيل الإحباط والذم والانتقاد.

وتخلق هذه العبارات حالة من سوء الفهم الناجمة عن عدم التفريق بين المدح والذم، وتقود أحيانا إلى اتخاذ مواقف سلبية، والدخول في مشاجرات، وقطيعة مع الآخرين، خصوصا عند الاستعجال في الحكم عليها.

شكوى في مدرسة

رصدت «الوطن»، شكوى طريفة لولي أمر طالب في إحدى المدارس.

فحين سأل الطالب معلمه عن درجة اختباره في مادة الرياضيات، رد عليه المعلم: «زي وجهك» من باب المزاح، لكن الطالب انزعج من الإجابة وأخبر والده الذي حضر إلى المدرسة شاكيا ومستفسرا، لكن الأمر انتهى وديا، حيث تفهم ولي الأمر رد المعلم بحسن نية.

معادلة عكسية

ترتبط عدد من العبارات بمعادلة عكسية، ظاهرها المدح، وباطنها الذم، والعكس صحيح، وتحدد 4 عوامل مدى فهم وتقبل الآخر من عدمه لها، وذلك يعود إلى أربعة عوامل هي:

1ـ أسباب نفسية

2ـ علاقات الأطراف

3ـ ضغوط الحياة

4ـ القلق.

وفيما تتردد مقولة «بيض الله وجهك» كرد على إسداء شخص ما خدمة لشخص آخر، يأخذها البعض على أنها نوع من المديح استنادا لقوله تعالى «يوم تبيض وجوه»، فيما يجدها الآخر ذما من خلال التوجس بالإصابة بمرض البهاق أو البرص، كمرض يصيب الإنسان ويحوّل جسمه أو وجهه إلى الأبيض.

إحنا إخوات

قال المواطن خالد عبده لـ«الوطن» إنه مر بموقف طريف أثناء دراسته الجامعية، تسبب في حيرة شخصية له بعد ضحك زملائه، مشيرا إلى أنه عند مناقشة دكتوره الجامعي الذي يحمل الجنسية المصري، قال له الأخير «إحنا إخوات»، وهي عبارة دارجة في المجتمع المصري يقصد بها إخوة أو أشقاء، مضيفا أنه استغرب تلك العبارة واستهجن أن يوصف بأنه «أخت» وقد تأثر بتلك العبارة جدا على نحو سلبي، وعند عودته إلى المنزل استفسر من جيرانه المصريين الذين أوضحوا له المعنى بشكل صحيح، مؤكدا أنه كلما يتذكر الموقف ينتابه الضحك الشديد، وأنه لن ينساه أبدا.

تشكيك للشخص

أكد مصطفى محمد لـ«الوطن»، أن بعض العبارات والكلمات تحمل في طياتها الشك تلقائيا لمن يتلقاها مهما كانت ثقته بنفسه، مشيرا إلى أنه في الفترة الأخيرة اعتاد كثيرون على قلب الكلام من إيجابي إلى سلبي والعكس تماما، مضيفا أن العبارات المرسلة من شخص لآخر، ربما تستخدم للمدح أو التقليل، أو التوبيخ، فهي تعتمد على موقف قائلها وشخصيته، ومن هنا يمكن الحكم عليها.

مداعبة زمنية

يبين الناشط الاجتماعي محمد باجعفر لـ«الوطن» أن العبارات قد تختلف في معانيها تبعا لظروفها وزمنها والوقت الذي تسود فيه، وقال «في الماضي كنا جميعا نرى أن عبارة «زي وجهك» تقال من باب المداعبة والملاطفة، وتؤخذ على محمل الوجه الحسن، لأن الله خلقنا في أحسن صورة، قال تعالى «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم» أي أحسن صورة».

وأضاف «لكن البعض بات يراها من قبيل الذم حسب حالته النفسية، وحسب مستوى علاقته مع قائلها، والتي قد تكون ليست على ما يرام، مع أن الغالب أنها تؤخذ بمفهومها الدارج والشائع دون أن تحمل على وجه سلبي إلا لو صادف قولها وقتا غير مناسب بالنسبة لمن يتلقاها».

مدح يراد به الذم

جزمت المستشارة الأسرية أمل أحمد لـ«الوطن»، أنه يجب تبيان الظاهرة البلاغية، وإيصال العبارة بشكل سليم، بعيدا عن استخدام البلاغات الأدبية في مدح يراد به الذم، والعكس.

وأشارت إلى أن بعض العبارات حمّالة الوجوه قد تتسبب في القلق للآخرين، خاصة عندما تقال بحضرة جمع من الناس يتلقونها بالاستهزاء والضحك، الأمر الذي قد يغضب من قيلت له.

واستشهدت ببيت شعر للحطيئة الذي اشتهر بهجائه للناس، حيث هجا الزبرقان بن بدر قائلا:

«دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي»

وقالت «ظاهر هذه الأبيات المدح، إلا أنه مدح يراد به الذم»، وقد فطن الزبرقان لهذا الهجاء فقدم شكوى للخليفة عمر بن الخطاب، الذي قال له «لا يوجد هجاء وإنما معاتبة»، فقال الشاكي «إنه عراني عما ابتنيته من المعالي»، فدعا عمر حسانا وسأله عن ذلك، فقال: «ما هجاه ولكن سلح عليه (أي هجاه بشدة)»، مؤكدة أنه يجب انتقاء العبارات السليمة الخالية من الشوائب، والتي تعزز الصلة والأخوة، وترسخ معاني الحب والمودة، وأن يكون الجميع على قدر عال من التفهم والتسامح مع الآخرين.

عبارات شائعة تحمل أكثر من وجه

زي وجهك

بيض الله وجهك

إحنا إخوات

خليك ذيب

كلك على بعضك