باتت التكنولوجيا لاعبًا جديدًا في الساحة الدولية، ولذا اندفعت الدول نحو السباق إليها، وهو ما يشير إليه الباحث، مجاهد أحمد المزوّق، في مقالة نشرت في دورية أفق، مركزًا على التكنولوجيا الأمنية والحربية واستفادة الدول منها، ليس فقط لتطوير قدراتها الحربية وتعزيز أمنها، بل وتعزيز مواقعها وإحداث تغييرٍ في بنية النظام الدولي الحالي.

وبيّن المزوق أن التطورات التكنولوجية المُتسارعة، طوَّرت معها مفاهيم جديدة للقوة والأمن والصراع والحروب وموازين القوى.

تغير الحروب

باتت حروب اليوم تعتمد على القوة الناعمة من تسخيرٍ لتطورات الفضاء الإلكتروني والأقمار وأنظمة الشبكات والذكاء الاصطناعي والتطبيقات الرقمية الحديثة، ووصلنا اليوم إلى سباقِ تسلُّحٍ جديد تخطى المفاهيم التقليدية، هو سباق في المعرفة التكنولوجية.

وقد خَدمتِ التطورات التكنولوجية المجالَ العسكري بشكلٍ كبير، وقللتِ الجهد والتكلفة البشرية لخَوضِ الحروب، وأَلغت العاملَ الزمني والنطاق الجغرافي لنشر الجيوش وتحضيرها واستعداداتها، وفَرضت أنماطًا قتالية وفكرية للعقائد العسكرية للقرن الحالي وإستراتيجيات بناء جيوش المستقبل، إلا أنه، في المُقابل، لم يتناقَص عدد ضحايا مآسي الحروب الإنسانية، ولم يكُن هذا التطور مسألة إيجابية للبشرية ولأغلب دول العالَم.

فإذا كان عصر الحرب الباردة شهد سباق تسلحٍ بلغ ذروته بالتنافس حول الأسلحة النووية، فإن بنية النظام الدولي المستقبلي تتعلق بمجالاتِ التنافسِ الخطير الذي يدور بين أمريكا من جهة والصين وروسيا كل واحدة منهما على حدة من جهةٍ ثانية، وهو سباق يبدو، من خلال استعراض الأَثَر الذي يحدثه البُعد التكنولوجي في المجال العسكري، خطيرًا وغير مضمون النتائج في ظل الحدود الخارقة التي بلغتها التكنولوجيات العسكرية وأنظمة الذكاء الاصطناعي المُرافقة لها، بخاصة أن هامش الخطأ ضئيل منذ عهد الأسلحة النووية، وأن تعدد الأطراف الفاعلة في البيئة الدولية تجعل المستقبل مبهمًا وغير مُطَمْئنٍ في الاستعداد لحروب جنودها روبوتات، وأنظمة ذكاء اصطناعي، وتكنولوجيا خارقة، لكن الأكيد أن ضحيتها الأولى هو الإنسان.

تنافس دولي

تحتل قضايا التكنولوجيا مكانة رئيسة في التنافس الدولي حاليًا، وسيدو الصراع الدولي المقبل حسب المفكر الأمريكي ألفن توفلر حول المعرفة، وسيكون مسرحه وميدانه عقول البشر ومعارفهم، ويرى خبراء آخرون أن محور الصراع سيكون بين أمريكا وبقية القوى الكبرى.

وبالفعل، أصبحنا اليوم أمام بيئة تكنولوجية عالَمية معقدة، فقد أَصبح العنف والتهديد بين الأطراف الفاعلة دوليًا مقيدًا بالتكنولوجيات المُتاحة لهم، وثمة حروب طاحنة اليوم، توصف أحيانًا بأنها «هادئة»، سببها التنافس على التطور التكنولوجي، وتحقيق مزيدٍ من الإنجازات الكبيرة على هذا الصعيد، لأن آثارها تعطي مزيدًا من التقدم على سلم القوة العالمي.

لماذا هذا السباق للتسلح؟

يجيب جوزيف كاميللري على السؤال «حين تشعر الدول بنسبة أقل من الأمان، فإنها تضاعف جهودها لتكديس الأسلحة في ترساناتها إلى الحد الذي يكفي لإخافة العدو وردعه، ولكن تراكم القدرات العسكرية الكبيرة يزيد فقط من الشعور بعدم الأمن، وهذا ما يؤدي إلى سباقِ تسلحٍ عنيف ومن دون نهاية».

وفي الشرق الأوسط ارتبط سباق التسلح بصراعات وأزمات المنطقة منذ 1948، ويمكننا أن نَربط مسار الظاهرة في المنطقة بعوامل منها:

ـ تأثير الحروب العربية - الإسرائيلية الـ4 في دفع دول الطوق لإسرائيل نحو سباق التسلح وتزايد النفقات العسكرية إبان فترة هذه الحروب.

ـ تأثير حروب الخليج الأولى والثانية والثالثة على عدم الاستقرار في منطقة الخليج وإيران، وتضاعُف نفقات الدفاع وسباق التسلح على جبهات: العراق وإيران ودول الخليج العربي.

ـ الأحداث التي رافَقت ما سمي بـ«ثورات الربيع العربي»، وما ترتب عليه من عملياتِ تسلح وإنفاق عسكري كبير وحديث تكنولوجيًا.

الأمن والسلم

تتميز المرحلة الحالية بجملة متغيرات مُتسارعة لا تقتصر على المفاهيم الأمنية في إطار العلاقات الدولية فحسب، بل أيضًا على مجرى التفاعلات في بيئة النظام الدولي الجديد، إنها بيئة فوضوية ومنظمة معًا.

تقاطعت المُصطلحات بين الأمن والإرهاب وتلاقت أجندات في مشروعات الشر، وعَلَتِ النسبية معلِنَة ضياع الحقيقة، واستبدلت الإيديولوجيات بالمصالح، وزَعْزَع الاقتصاد معالمَ الأقطاب، وارتبطتِ التهديدات البيولوجية بالأمن القومي بل الأمن العالَمي بدلاً من الأمن الدولي، أَخذت الجماعات والأفراد بالقيام بدَورٍ يوازي دَور الدول، وأَخَذَ الإعلام دَور صناعة الخبر والتحكم به بَدَلَ الاكتفاء بنقْله، وغدًا مفهوم الأمن أكثر حداثة مع بلوغِ ثورة المعلومات نُضجَها لتَحل مفاهيمُ أمن التقانة والفضاء الإلكتروني محل الأمن التقليدي.

الإنفاق العسكري والتنافس الدولي

لا تزال صناعة الأسلحة وتجارتها تزداد اتساعًا وتنوعًا في العالَم، ولا تزال عملية الإنفاق والتنافس شديدة، وتتنافَس الدول في تطويرِ القدرات العسكرية لديها وتحسينها لتحقيق أهداف منها ضمان الأمن الوطني والمُشارَكة في الصراعات الدولية.

ويتأثر التنافس الدولي بمستوى الإنفاق العسكري لكل دولة، وهذا ما يرتب تغيير في توازن القوة بين الدول، حيث يُواصِل الإنفاقُ العسكري العالَمي ارتفاعاته للعام الثامن على التوالي مُتجاوزًا 2.224 تريليون دولارٍ أمريكي لأول مرة أواخر 2022 حسب «معهد ستوكهولم لأبحاث الأمن والسلام الدولي»، كما بلغتِ الاستثمارات العالمية في قطاع التكنولوجيا مع نهاية 2022 قرابة 4 تريليونات دولار بحسب تقريرٍ من شركة (IDC) للتكنولوجيا.

التكنولوجيا المتقدمة

التكنولوجيا أمر رائع، لكن تم توظيفها لأغراضٍ عسكرية بحتة، منها أنظمة المُراقَبة والرصد والتجسس والاستشعار والاختراق لشبكات العدو، ولعل الطائرات المسيرة لعبت دَورًا في صراعاتٍ عدة في سورية، اليمن، أوكرانيا، أذربيجان وغيرها.

واستخدم القطاع العسكري مُنجزات التقدم العلمي التقني وأَدخل ما يسمى بالثورة العسكرية، ويقال إن القطاع العسكري هو المُستهلِك الرئيس لمُنجزات التقدم العلمي التقني، وأصبحنا أمام أسلحة تكنولوجية متعددة منها الأسلحة الليزرية والكهرومغناطيسية والفرط الصوتية، ناهيك بالأسلحة الفضائية والروبوتات القاتلة والفيروسات الرقمية، حتى بات يُطلق عليها لقب الثورة في الشؤون العسكرية RMA (Revolution in Military Affairs).

صراع التكنولوجيا

المُتتبع للأحداث الحالية يدرك أن الصراع القائم بين الدول الكبرى هو حول التكنولوجيا وامتلاكها والسيطرة عليها، لذا يزداد التوتر والسباق نحو تطوير الترسانات النووية وإدخال أنماطٍ من التحسينات عليها تُعرَف بالذكاء الاصطناعي والأسلحة الذكية.

وهناك مَن يَعتقد أن علاقات الردع القائمة لا يُمكن المُحافَظة عليها مستقبلاً سوى بالتحكم في هذه التكنولوجيا خاصة بين أمريكا والصين وروسيا، وبدرجة أقل باقي الدول مثل اليابان والهند، وبالتالي فإن الدول التي تَمتلك مفاتيح التكنولوجيا، هي الأقدر على تطوير مواردها واستخدامها بكفاءةٍ.

2.224 تريليون دولار حجم الإنفاق العسكري العالم 2022. 4 تريليونات دولار حجم الاستثمارات العالمية في قطاع التكنولوجيا.

عوامل أثرت على التسلح العسكري في الشرق الأوسط

1ـ تأثير الحروب العربية - الإسرائيلية الـ4 التي دفعت دول الطوق لإسرائيل نحو مزيد من النفقات العسكرية.

2ـ تأثير حروب الخليج الأولى والثانية والثالثة.

3ـ الأحداث التي رافَقت ما سمي بـ«ثورات الربيع العربي».