تخيل هذا: أنت مستريح في مقعدك، متجها نحو وجهة سفرك عندما يخترق صوت المضيفة الصمت: سيداتي وسادتي، كلا الطيارين عاجزين.. هل هناك أي من المسافرين يمكنه الهبوط بهذه الطائرة بمساعدة مراقبة الحركة الجوية؟.

إذا كنت تعتقد أنك تستطيع القيام بذلك، فأنت لست وحدك، حيث تشير نتائج استطلاع إلى أن نحو ثلث البالغين المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن بإمكانهم الهبوط بأمان بطائرة ركاب بتوجيه من مراقبة الحركة الجوية، وارتفع مستوى الثقة بين المشاركين الذكور إلى ما يقرب من 50 %.

هل الإمكانية متاحة؟

هل يمكن لشخص لم يحصل على تدريب مسبق أن يرشد الجميع ببساطة إلى الهبوط السلس؟.

لقد سمعنا جميعًا قصصًا عن ركاب أنقذوا الموقف عندما أصبح الطيار غير مستجيب، فمثلا تمكن دارين هاريسون العام الماضي من الهبوط بطائرة ذات محركين في فلوريدا، بعد أن فقد الطيار الوعي، بتوجيه من مراقب الحركة الجوية الذي تصادف أنه مدرب طيران.

مع ذلك، تميل مثل هذه الحوادث إلى الحدوث في طائرات صغيرة وبسيطة، بينما قيادة طائرة تجارية أكبر وأثقل بكثير هي أمر مختلف تمامًا.

الطيار الآلي

لا يمكنك دائمًا الاعتماد على الطيار الآلي، إذ يقضي الطيار نحو 90% من وقته في مراقبة أنظمة الطيار الآلي، والتأكد من أن كل شيء يعمل على النحو المنشود، ويتم إنفاق الـ10% الأخرى في إدارة المشكلات، والإقلاع والهبوط.

يمكن القول إن عمليات الإقلاع والهبوط هي أصعب المهام التي يقوم بها الطيارون، ويتم تنفيذها دائمًا يدويًا. فقط في مناسبات قليلة جدًا، وفي عدد قليل من نماذج الطائرات، يستطيع الطيار استخدام الطيار الآلي في الهبوط بالطائرة نيابةً عنه، وهذا هو الاستثناء وليس القاعدة.

وللإقلاع، يجب زيادة سرعة الطائرة، حتى يتمكن جناحاها من توليد قوة رفع كافية لسحبها في الهواء، ويجب على الطيار أن ينتبه جيدًا للأدوات المتعددة والإشارات الخارجية، مع إبقاء الطائرة في منتصف المدرج، حتى تصل إلى سرعة الإقلاع.

فور التحليق جوا، يجب على الطيار التنسيق مع مراقبة الحركة الجوية، واتباع مسار معين، وسحب جهاز الهبوط، والحفاظ على سرعة واتجاه محددين في أثناء محاولة الصعود.

الهبوط المعقد

يعد الهبوط أكثر تعقيدًا، حيث يتطلب التحكم الدقيق في اتجاه الطائرة ومعدل الهبوط.

وللهبوط بنجاح، على الطيار الحفاظ على السرعة المناسبة، مع إدارة تكوين التروس والرفرف في الوقت نفسه، والالتزام بأنظمة الحركة الجوية، والتواصل مع مراقبة الحركة الجوية، واستكمال عدد من قوائم المراجعة الورقية والرقمية.

فور أن تقترب الطائرة من المدرج، يجب على الطيار الحكم بدقة على ارتفاعها، وتقليل الطاقة وضبط معدل الهبوط، ما يضمن هبوطها في المنطقة الصحيحة من المدرج.

وعلى الأرض، سيستخدم المكابح والدفع العكسي في إيقاف الطائرة تمامًا قبل انتهاء المدرج. كل هذا يحدث في غضون دقائق قليلة.

تقنية وتركيز

يعد كل من الإقلاع والهبوط سريعين جدًا، ويتطلبان كثيرا من التقنية والتركيز، لذلك لا يتمكن أي شخص غير مدرب من تنفيذهما. كما أنهما يتطلبان مجموعة من المهارات التي لا يتم اكتسابها إلا من خلال التدريب المكثف مثل فهم المعلومات المقدمة على أجهزة قياس مختلفة، والقدرة على تنسيق اليدين والقدمين بطريقة معينة.

تدريب طيار

الرحلة من الطالب إلى الطيار التجاري هي رحلة طويلة، تبدأ عادةً برخصة ترفيهية، تليها رخصة خاصة، ثم رخصة تجارية (ما يسمح بالطيران بشكل احترافي).

حتى قبل الدخول إلى قمرة القيادة، يجب على الطالب دراسة الديناميكيا الهوائية وقانون الهواء وقواعد الطيران والأرصاد الجوية والعوامل البشرية والملاحة وأنظمة الطائرات والأداء وتخطيط الطيران. كما يحتاج للتعرف على الطائرة التي سيطير بها.

وفور استيعابه الأساسيات، يؤخذ الطالب للتدريب، الذي يتم إجراء معظمه على متن طائرات صغيرة وخفيفة الوزن، مع تجربة جهاز محاكاة فترة وجيزة في النهاية.

عرض المناورات

في أثناء الدرس، يعرض المعلم كل مناورة أو إجراء قبل أن يحاول الطالب القيام بها، ويمكن تعديل محاولته أو تصحيحها أو حتى إنهائها مبكرًا في المواقف الحرجة.

وتركز الدروس الـ10 إلى الـ15 الأولى على الإقلاع والهبوط والتحكم الأساسي في أثناء الطيران وإدارة الطوارئ. وعندما يكون الطلاب جاهزين، يُسمح لهم «بالذهاب منفردين»، حيث يقومون برحلة كاملة بمفردهم.

بعد سنوات من الخبرة، ينتقل هؤلاء إلى الطائرات التجارية. وفي هذه المرحلة، قد يكونون قادرين على الإقلاع والهبوط بشكل جيد إلى حد معقول، لكنهم سيظلون يخضعون لتدريب مكثف خاص بالطائرة التي يقودونها، بما في ذلك ساعات من النظرية المتقدمة، وعشرات جلسات المحاكاة، ومئات الساعات من التدريب الحقيقي على الطائرات (معظمها التي تتم مع الركاب على متن الطائرة).

لذا، إذا لم تتعلم أساسيات الطيران مطلقًا، فإن فرصك في الهبوط بنجاح بطائرة ركاب بمساعدة مراقبة الحركة الجوية تقترب من الصفر.

مهارات

الطيران مهارة مثل أي مهارة أخرى، وقد أصبح التدريب عليه متاحا من خلال ظهور أجهزة الكمبيوتر المتطورة والواقع الافتراضي وألعاب محاكاة الطيران مثل Flight Simulator من Microsoft وX-Plane.

ويمكن لأي شخص الآن تجهيز جهاز محاكاة الطيران المكتبي مقابل بضعة آلاف من الدولارات. من الناحية المثالية، يجب أن يتضمن هذا الإعداد أيضا عناصر التحكم المادية الأساسية الموجودة في قمرة القيادة مثل نير التحكم والخانق والدواسات.

وتوفر أجهزة محاكاة الطيران بيئة غامرة، حيث يمكن للطيارين المحترفين والطلاب وعشاق الطيران تطوير مهاراتهم. لذا، إذا كنت تعتقد حقا أنه يمكنك مواجهة أحد المحترفين ففكر في تجربة يدك في أحد هذه الأجهزة.

من المؤكد تقريبًا أنك لن تتمكن من الهبوط بطائرة ركاب فعلية بنهاية الرحلة، ولكنك على الأقل ستكتسب تقديرًا للمهارات الهائلة التي يمتلكها الطيارون.