تتجه اليابان نحو رؤية واضحة، وهي أن تصبح قوة نووية في غضون خمس سنوات، وذلك لأن الصين النووية تشكل تهديدا متزايد التوسع، حيث تستعرض عضلاتها إلى ما هو أبعد من حدودها، بينما تمتلك كوريا الشمالية ترسانة متزايدة من الأسلحة النووية، ولا تُظهر أي علامات على تخفيف عدائها تجاه جيرانها. والأهم من ذلك كله أن «المظلة النووية» الأمريكية التي أتاحت لليابان سنوات عديدة من السلام والازدهار تحت الحماية العسكرية التي توفرها واشنطن أصبحت الآن متآكلة على نحو متزايد، وربما على نحو لا يمكن إصلاحه. وبالنظر إلى الفوضى الحالية في واشنطن، يقول الخبراء اليابانيون أنه يتعين على اليابان أن تطور الأسلحة النووية، لأنه ليس لديها خيار آخر.

قنابل ذرية

وباعتبارها الدولة الوحيدة التي وقعت ضحية للقنابل الذرية، فقد عارض العديد من اليابانيين بشدة استخدامها أو حتى تطويرها. وقد أشار السياسي الأمريكي الجمهوري جون فوستر دالاس إلى هذا الأمر باعتباره «حساسية نووية»، وهي العبارة التي استخدمها في 1954 بعد تعرض قارب الصيد «لاكي دراجون» للإشعاع الناتج عن اختبار نووي حراري أمريكي في بيكيني أتول، وكان عدد الأشخاص المتضررين من ذلك ضئيلا مقارنة بآلاف القتلى في هيروشيما وناغازاكي.

مع ذلك، بدا الأمر كما لو أن كل المشاعر التي تم كبحها منذ 1945 انفجرت فجأة. ففي غضون شهر واحد، أصدر البرلمان قرارا يعارض التجارب النووية، في حين جمعت عريضة عامة توقيعات أكثر من نصف الناخبين المسجلين في البلاد، دعما للقرار. وكانت اليابان في طريقها إلى اكتساب سمعة دولية باعتبارها «أمة السلام»، وهي التسمية التي جعلت مواطنيها يشعرون بالفخر. وفي السنوات التي تلت ذلك، قدمت اليابان عشرات القرارات إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة تدعو إلى إلغاء الأسلحة النووية.

تحت الظل

ويرى الخبراء أن اليابان تجلس تحت مظلة نفاق، حيث لا تقبل الجدل بشأن معارضتها الأسلحة النووية، بينما كانت تحتمي بالمظلة النووية الأمريكية. وفي 2016، قدمت نيوزيلندا قرارا للأمم المتحدة يعلن أنه لا ينبغي أبدا استخدام الأسلحة النووية تحت أي ظرف من الظروف. وقد اجتذبت أكثر من 100 جهة راعية، بما في ذلك اليابان. في الوقت نفسه، أيدت 18 دولة بيانًا منافسًا يقول إن استخدام الأسلحة النووية قد يكون ضروريًا لأسباب تتعلق بالأمن القومي. ومن الواضح أن الإعلانين غير متوافقين، وكانت اليابان الدولة الوحيدة التي وقعت على كليهما.

لكن مثل هذه التناقضات لم تزعج عامة الناس من ذوي التوجهات السلمية، إذ كانت مناقشة الأسلحة النووية بمثابة المسار الثالث للسياسة اليابانية، وكان «تثقيف السلام» مطلوبا في المدارس العامة، حتى أن وزارة الخارجية مولت برامج مناهضة للأسلحة النووية، وأي زعيم يقترح تغييرا في هذه السياسة لا بد أن يدفع ثمنا سياسيا.

التهديد الصيني

وكانت أول تجربة نووية ناجحة، أجرتها الصين في 1964، لم يكن لها تأثير كبير على الرأي العام، على الرغم من أنها أوضحت للعديد من القادة السياسيين اليابانيين مدى اعتماد الأمة على أمريكا وقنابلها. ولعل غالبية الشعب الياباني تستطيع أن تحجب عينيها، وتظل راضية عن نفسها. مع ذلك، فإن المسؤولين الحكوميين المكلفين بالحفاظ على الأمن القومي لا يستطيعون تجاهل التهديد الصيني.

لقد ظهر انقسام بين رأي النخبة والمزاج الشعبي الذي لم ينمُ إلا في السنوات القادمة. ويبدو أن موقف اليابان القديم المناهض للأسلحة النووية أصبح معتمدا على أناس رفضوا التكيف مع الوضع الدولي المتغير، والذين لم يتعلموا شيئا ولم ينسوا شيئا.

وقد جسد رئيس الوزراء إيساكو ساتو هذا الانقسام. فبعد الاختبار الصيني، أعرب عن أسفه للسياسة التي عمت مواطنيه. وقال إن عامة الناس لا بد أن يتم تثقيفهم بشأن الحقائق الجديدة. وفي هذه الأثناء، سلك ساتو الطريق الوحيد المفتوح أمامه، حيث سافر إلى واشنطن، لمناشدة الرئيس ليندون جونسون إعادة تأكيد التزام أمريكا بالدفاع عن اليابان، فالتحالف بين الولايات المتحدة واليابان لم يكن قط متساويا، ولكنه كان يحمل في جعبته ورقة رابحة واحدة.

وحذر من أنه إذا لم يقدم جونسون التطمينات اللازمة، فسيتعين على اليابان أن تفكر في تطوير أسلحة نووية خاصة بها. وفي 1964، لم يكن الرأي العام ليؤيد ذلك، ولا شك أن ساتو كان يعلم ذلك. مع ذلك، كان التهديد مقنعًا ومزعجًا بدرجة كافية لجذب انتباه جونسون، الذي أصدر بيانا في 1967 أكد فيه مجددا أن الولايات المتحدة مستعدة لمنع الصين من استخدام الأسلحة النووية.

احتمالات المخاطرة

وكانت موثوقية واشنطن ومظلتها النووية دائمًا في قلب سياسة طوكيو الأمنية. والسؤال المطروح بأبسط العبارات هو: هل ستكون أمريكا على استعداد للمخاطرة بتدمير لوس أنجلوس من أجل حماية طوكيو؟، فمع توسيع الصين والكوريين الشماليين قدراتهما النووية، اكتسبت هذه المسألة أهمية قاتلة.

ومع تزايد أهمية هذا السؤال بالنسبة لمستقبل اليابان، يضطر المرء إلى النظر إلى التحالف بين الولايات المتحدة واليابان، ويتساءل عن مدى قوته في أي وقت مضى. لقد كانت اليابان دائمًا الشريك الأصغر، فواشنطن تتخذ القرار، وطوكيو تتكيف وتتكيف. لكن هل يجب أن تكون راضية بالبقاء شريكًا صغيرًا؟.

شكوك ومخاوف

كانت الشكوك اليابانية ذات حدين، ويرى الخبراء أنه إذا كانت لديهم مخاوف جدية بشأن قيام الولايات المتحدة بأقل مما ينبغي، فإنهم يشعرون بالقلق أيضا بشأن قيامها بما هو أكثر من اللازم. ففي السنوات التي تلت انهيار الاتحاد السوفيتي، أثبتت الولايات المتحدة أنها متهورة ومتغطرسة، حيث ألغت الاتفاقيات مع روسيا، وغزت العراق وأفغانستان، وتدخلت في ليبيا دون أي اعتبار يذكر للعواقب الطويلة الأجل. ومن خلال ربط أمنهم بقرارات القادة المتهورين وغير الجديرين بالثقة في واشنطن، فإن اليابانيين يسمحون لأنفسهم بالتعرض للهزيمة، وهذا ليس شرطا ينبغي لأي دولة أن تتعايش معه، وبالتأكيد ليست دولة قوية مثل اليابان.

وفي النهاية، فإن مسألتي كوريا الجنوبية والانتشار النووي تضعان اليابان أمام تحديات تمس جوهر أمنها القومي، فهل يتعين على اليابان أن تستمر على المسار المثالي الذي لم يكن ممكنا لولا تدابير الحماية التي توفرها أمريكا أم ينبغي لها أن تتقبل حقيقة الوضع العالمي المتغير بشكل عميق، حيث لا يمكنها الاعتماد على أحد غير نفسها؟! حتى أكثر اليابانيين تفاؤلا وسلاما قد يدركون أن هناك إجابة واحدة فقط عن هذه الأسئلة.. يجب على اليابان أن تطور أسلحة نووية.



تهديد يلاحق اليابان:

قوة الصين النووية المتزايدة

كوريا الشمالية التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها

الولايات المتحدة المتعثرة