يحتفظ الميزب بمكانته المميزة في البيوت النجرانية، متحديًا ومقاومًا تطورات الأيام وحداثتها، ومتمسكًا بمكانته كموروث لا يزال يجد الإقبال حتى لا يخلو بيت نجراني منه.

والميزب، هو مهد، حاضن للأطفال، يمنحهم النوم الهادئ، ويحميهم، كما يمنحهم اهتزازه حين يعلق هدأة لذيذة.

ويؤدي الميزب أكثر من دور، فقد تحمله الأمهات على أكتافهن ويضعن فيه صغارهن في سن الرضاعة، ما يمكنهن من أداء أعمالهن بحرية أكبر دون أن يضطررن لمغادرة الصغير، كما يمكن أن يعلق في المنزل ويمكن هزه بلطف لإسكات الصغير وتوفير فرصة النوم المريح له.

وعلى الرغم من المزاحمة غير المتكافئة التي نشهدها منذ سنوات ليست قليلة بالمراتب والأسرّة والحاضنات التي تأتي بأشكال كثيرة، وتؤدي أدوارًا متعددة، إلا أن الميزب الذي توارثته الأجيال، جيلًا بعد آخر، لا يزال حتى يومنا هذا محتفظا بشكله وهيئته وأدواته، ومحتفظا كذلك بقدرته على منافسة الأدوات الجديدة المستخدمة لحمل الطفل أو نومه على الرغم من ارتفاع سعره مقارنة بها، ففي حين قد لا تتخطى أسعار بعضها الـ100 ريال، فإن سعر الميزب يتراوح بين 600 و700 ريال، وهو يحظى بإقبال جيد.

ويصنع الميزب من الجلد، ولا يزال يلفت أنظار زوار السوق الشعبي في نجران، وتحديدا في مركز أبا السعود، حيث تقوم معظم محلات الخرازة والمصنوعات الجلدية والتراثية بعرضه، وتحرص الجدات على أن يكون هديتهن الأثمن لبناتهن حين تضع أي منهن مولودها.

وكثيرًا ما يشهد الميزب رحلة طويلة عبر السنين فينتقل من الجدة للأم للبنت، في دورة تستغرق سنوات طويلة.

حماية

يصنع الميزب عادة من جلد الماعز أو الأغنام، وهو يأخذ شكل المثلث، ويبلغ طوله عادة نحو 85 سم وعرضه 45 سم.

وتعبر صناعة الميزب عدة مراحل، تبدأ بعملية دبغ الجلد حيث يستخدم لأجل ذلك نبات القرض والماء الحار والملح والحرمل، ومن ثم يجفف، ويتم التأكد من خلوه من بقايا الشعر، ثم تبدأ عملية التصنيع.

ويتشكل الميزب من الناصية، وهي مقدمة عبارة عن قطعة خشب مربعة الشكل ومثبتة من الخلف بداعم من جريد النخيل ومغلفة جميعًا بالجلد، وهي تشبه مقدمة السرير الحديث لتوفر الحماية للرضيع.

وتتزين الناصية بالهدب، وهي شرائط جلدية تمنح الميزب جمالا إضافيا، وتضفي بعض البهجة للرضيع المحمول فيه، حيث يحدث صوتها عند هز الأم للميزب بعض الخشخشة اللطيفة التي تساعد الصغير على الاسترخاء.

ويتضمن الميزب كذلك «الصحن» وهي المساحة المخصصة لنوم الرضيع، وتكون على شكل أسطواني كأنه بطن الأم الحامل، ويثبت من الجانبين العلويين بعصا من داخل الجلد من جريد النخل بكل جانب، وفي أعلاها عروة مصنوعة من جلد خالص بمتانة كبيرة تشكل يد الميزب والحاملات له، وتمنح الرضيع حماية وافرة، حيث يتم عبرها التحكم بفتح الميزب وذلك بضم طرفي الميزب لبعض لتضيق مساحة الفتحة خلال نوم الرضيع فتحميه من أي شيء قد يسقط فوقه، كما تجعله ينام على جنبه فيتجنب خطر الاختناق لو استرجع اللبن الذي رضعه.

وينحني الميزب في جزئه الأخير للأسفل، ويسمى المسيال، وهو فتحة من جلد مغطاة بشرائط لإخراج سوائل الصغير، كما تمنع مفارشه من الانزلاق للأسفل.

وينتهي الميزب بـ«الشطفه» وهي قطعة جلد تكون في أعلاه من جانبه الأيمن، وتستخدم كغطاء يحمي الرضيع من الشمس والضوء والهواء.

مكانة كبيرة

يشير خبير التراث، الراوي ناصر الصقور إلى أن لـ«الميزب مكانة كبيرة قد لا يتخيلها كثيرون».

ويضيف «عادة ما تقوم الجدة بشراء واقتناء أول ميزب لابنتها المتزوجة عند ولادتها، وتعده هدية للمولود البكر، وتستخدمه الأم لحضانة طفلها ونومه، وعندما يكبر الطفل تحافظ على الميزب لتستخدمه عند قدوم مولودها الثاني، وقد تحتفظ به فيحتضن جميع أطفالها، فأنا على سبيل المثال لدي خمسة أطفال احتضنهم ميزب واحد، أكبرهم اليوم في المرحلة المدرسية المتوسطة، وأصغرهم عمره شهر ونصف الشهر، ويحتضنه نفس الميزب الذي احتضن شقيقه الأكبر».

وتابع «يكمن السر في شراء الجدة للميزب وتقديمه لحفيدها في معرفتها أولا بجودة الميزب وأهميته، وربما تكون هي بدروها قد ورثته عن أمها، فتورثه لابنتها التي بدورها قد تورثه لابنتها أيضا وهكذا في دورة تنم عن الحرص واحترام الإرث».

أصالة تعادل النجاح

يؤكد صقور أن «الميزب يعد من الأصالة النجرانية التي لا يمكن الاستغناء عنها، وقد أثبت نجاحه بشكل كبير، فهو يمتاز بأنه دافئ في الشتاء، وبارد في الصيف، وأنه سهل الحمل، ويعطي السكينة والهدوء للطفل فينام ساعات طويلة، كما أنه يحميه من الهواء والأتربة والشمس عند خروج والدته به إلى أي مكان».

وتابع «يشبه الميزب السرير، لكنه دون أرجل، ويصنع في الغالب من جلد الأغنام، ويعد مصدر أمان للطفل يحميه لو سقط فوقه شيء، حيث توجد قطعة من الخشب فوق رأسه ترتفع من أسفل الميزب إلى أعلى وتكون عريضة، وتكون فوقها قطعتان من جريد النخيل تكونان في وضع الميل إلى أن تصلا إلى المكان الذي تصله قدما الطفل، وتتعديانه بزيادة من 10 إلى 15 سم، ومهمتهما الحفاظ على ارتكاز الميزب وحماية الطفل، كما توجد قطع تحمي الطفل من الشمس، وهو يزود بحبلين من الجلد بمثابة الأيدي الحاملة، وذلك لحمل الطفل أثناء سير والدته أو تعليقه في المكان المناسب، كما توجد فيه أهداب صغيرة ليلهو الطفل بها، وأهداب طويلة أسفل الميزب للزينة ولهز الميزب بها. وعادة يتم تزيين الميزب ببعض النقوش، كما يوضع داخله فراش مريح للطفل».

الهدية الأثمن

يوضح عبدالرحمن صالح، وهو مالك أحد المحلات التراثية، ومهتم بنوادر التراث، أن الميزب لا يزال مطلوبا وصامدا حتى اللحظة، ويحظى باهتمام كبير من النساء على الرغم من التطور المذهل في صناعة أسرّة النوم المخصصة للأطفال وحاضناتهم، وعلى الرغم من أنها تباع بأسعار أقل من سعره، لكنه لا يزال محتظفا بمكانته كهدية تعد الأثمن لمن تضع مولودا.

الأعلى قيمة

يؤكد صالح سعد، وهو أحد خبراء المصنوعات الجلدية والخرازة أن «الميزب يعد من أكثر المصنوعات عرضا في محلات سوق نجران الشعبي، ومن أهم المصنوعات التراثية، ومن أعلاها قيمة، حيت يتراوح سعره بين 500 و750 ريالا».

وأضاف «على الرغم من مرور السنين لم تهتز قيمة الميزب ومكانته، وهو من المصنوعات التي تعمر طويلا ولعشرات السنين لجودة صناعته، وفي الغالب تكتفي الأمهات بميزب واحد لأطفالها، حيث تقوم برفعه ووضعه في مكان مناسب، وتحتفظ به فور أن يصبح طفلها في غير حاجة له، ويبقى في مكانه حتى قدوم مولود جديد وهكذا».

وتابع «في وقتنا الحالي قد لا تبدو الفتيات الصغيرات المتزوجات حديثا مهتمات إلى ذلك الحد بالميزب، لكن الأمر يختلف عند أمهاتهن اللواتي يحرصن على تقديمه هدية للحفيد أو الحفيدة القادمين».

وأكمل «يعد الميزب من أكثر المصنوعات التراثية التي تلفت انتباه السواح وخصوصا الأجانب، فتجدهم يقومون بتصويره وحمله وأخذ معلومات كاملة عنه، ويندهشون أكثر عندما يعلمون أن الإقبال والطلب عليه يتزايدان حتى اللحظة في ظل وجود صناعات حديثة خاصة بنوم الأطفال وحضانتهم».

المقر الآمن

تقر أم عادل أنها كانت ومع اقتراب أول مولود لها غير مكترثة بالميزب، ولم تفكر به على الإطلاق، وقالت «جهزت كل ما يحتاجه وليدي قبيل ولادتي، ومن ضمن تلك الاحتياجات سرير صغير جميل، ولكن هيهات، فوالدة زوجي، وكذلك أزرتها والدتي وقدموا الميزب هدية للمولود مع توصيات وتعليمات لا زالت في ذاكرتي حتى اللحظة».

وتابعت «مع مرور الوقت أيقنت مدى أهميته، ولمست تأثيره الإيجابي على طفلي، وعلى إخوته من بعده، وهو بالفعل بمثابة مقر آمن، يبعث على الهدوء والسكينة والراحة للطفل الذي لا يلبث سوى دقائق قليلة من وضعه فيه حتى يكون قد نام بكل أريحية، ولذا حرصت على استخدامه مع كل أطفالي بعد أن اختبرته مع أكبرهم».

الميزب

مهد حاضن للأطفال

يمنحهم النوم الهادئ

يضفي الحماية على النائم فيه

يمكن حمله على الكتف أو تعليقه

يصنع عادة من جلد الماعز أو الأغنام

يأخذ شكل المثلث

يبلغ طوله نحو 85 سم وعرضه 45 سم

تمر صناعته بعدة مراحل

يعد من أهم المصنوعات التراثية

يحظى بالإقبال حتى الآن

مراحل صناعة الميزب

1ـ دبغ الجلد

يستخدم لأجل ذلك نبات القرض والماء الحار والملح والحرمل

2ـ التجفيف والتأكد من خلوه من بقايا الشعر

3ـ التصنيع

ما هي أقسام الميزب

* الناصية

وهي مقدمة عبارة عن قطعة خشب مربعة الشكل

مثبتة من الخلف بداعم من جريد النخيل

مغلفة بالجلد وتشبه مقدمة السرير الحديث

* الهدب

شرائط جلدية تمنح الميزب جمالا إضافيا

صوتها يساعد الرضيع على الاسترخاء

* الصحن

هي المساحة المخصصة لنوم الرضيع

تكون على شكل أسطواني

يثبت من الجانبين العلويين بعصا من داخل الجلد من جريد النخل بكل جانب

في أعلاها عروة مصنوعة من جلد بمتانة كبيرة تشكل يد الميزب والحاملات له

يتم عبرها التحكم بفتح الميزب

* المسيال

جزء في أسفل الميزب

هو فتحة من جلد مغطاة بشرائط لإخراج سوائل الصغير

تمنع مفارش الصغير من الانزلاق للأسفل

* الشطفه

قطعة جلد في أعلى الجانب الأيمن للميزب

تستخدم كغطاء يحمي الرضيع من الشمس والضوء والهواء