نشهد اليوم حراكا فنيا شاملا للفنون المسرحية والسينمائية والموسيقية. وغني عن القول إنه من شأن حراك بهذا الحجم خلق مساحة احتياج لعدد كبير من المهن والوظائف في التمثيل وكتابة السيناريو والإخراج والتصوير والصوتيات والتقنيات والموسيقى والماكياج والأزياء والديكور والخدع السينمائية وغيرها الكثير من الأعمال التي نستعين عليها بالمهارات والخبرات الأجنبية لعدم إتاحتها للدراسة والتدريب ضمن نظامنا التعليمي.

وكشفت الفترة الأخيرة عن وجود خبرات سعودية صقلت موهبتها بالتعليم خارج البلاد، إضافة إلى وجود مواهب شابة شغوفة بالمجال الفني وتحتاج للتوجيه والتعليم في إطار مؤسسي نظامي يحميها من الاستغلال ويجنبها الهدر والعمل العشوائي.

من جهة أخرى هناك ضغط كبير للالتحاق بالجامعات وعبء أكبر على سوق العمل والوظائف، وهي ضغوط مرشحة للازدياد في ظل النمو السكاني والاقتصادي. ولا شك أن تدريس الفنون سيفتح الطريق نحو توطين المهن الفنية وتنويع الفرص.

أعتقد أنه من المناسب جدا أن نبدأ بتنوع المعاهد الفنية الثانوية للتأهيل للدبلوم في التخصصات المطلوبة في سوق الإنتاج الفني. ذلك أن هذه المهن لا تحتاج للدراسة الطويلة والتخصص الأكاديمي في الغالب، بل تحتاج في الأساس للتدريب المهاري المكثف والممارسة العملية التي تخلق بصمة خاصة للتجربة الفنية. مع إمكانية تعويض الفاقد المعرفي والفلسفي من خلال دورات وبحوث إضافية.

كما أن استقطاب الهواة في هذه المعاهد سيكون طريقة لرعاية المواهب وصناعة النجوم، وتأسيس جيل يدشن صناعة فنون سينمائية وأدائية سعودية مواكبة لتطلعات المرحلة القادمة.

ختاما.. نحن بحاجة حقيقية وماسة لمدرسة الفن، وصناعة فنوننا بأنفسنا وبما يشبهنا ويعبر عنا. واليوم تجاوزت الفنون مفهوم القوة الناعمة، فأصبحت قوة سياسية وثقافية واقتصادية لا يستهان بها، بل وتحولت إلى قيمة إبداعية ذات دلالة حضارية تعمل على المستوى الماورائي في الطبيعة الإنسانية لأي شعب، فتغير آفاق رؤيته لمفاهيم الحياة ولتفاعله مع مجتمعه ومع العالم كله. ولا أعتقد أن ثمة طريقا نسلكه أقصر من مقاعد الدراسة وتحت سقف التعليم.