فيما بلغ عدد نزلاء السجون الذين تخرجوا في جامعة نجران 85 نزيلًا، يواصل 112 نزيلًا بينهم عدد من غير السعوديين في الوقت الحالي دراستهم في الجامعة، لينضموا بذلك إلى المئات من نزلاء السجون الذين تخرجوا أو ما زالوا يواصلون دراستهم في الجامعات خلال انتظارهم أو قضائهم فترات حكمهم بالسجن.

ويأتي السماح وتقديم التسهيلات لنزلاء السجون في المملكة على مختلف جنسياتهم لمواصلة دراساتهم الجامعية في إطار الاهتمام الذي توليه المملكة لهؤلاء النزلاء، وبما يمكنهم من قضاء فترات حكمهم بما يعود عليهم بالنفع والفائدة، فلا يكتفى فقط بالبرامج التأهيلية والإصلاحية التي تجعلهم أكثر قدرة على ممارسة حياتهم وإيجاد أعمال لهم بعد خروجهم من السجون.

ويسمح للنزلاء بمواصلة دراستهم الجامعية سواء كان ذلك حضوريًا أو بالانتساب والدراسة عن بعد بالتعاون مع عدد من الجامعات السعودية، وقد ترجم ذلك الاهتمام عمليًا بتقليص مدة المحكومية للسجين بمقدار 15% في حال تجاوزه البرامج التعليمية والمهنية الموضوعة من قبل إدارة السجون، ومن بينها الحصول على الشهادة الجامعية.

تخصصات

بيّن مدير إدارة المسؤولية المجتمعية في جامعة نجران عبدالرحمن يحيى آل لعجم أن الجامعة قدمت جملة من الخدمات والتسهيلات لنزلاء السجون والموقوفين بما يمكنهم من مواصلة دراستهم الجامعية بنظام الانتساب، حيث أتاحت لهم القبول في تخصصي الإدارة العامة والدراسات الإسلامية عبر نظام الانتساب، وتوفير الكتب والمراجع للنزلاء، واختبار النزلاء في أماكن احتجازهم، ومعالجة أمورهم الأكاديمية وفق قرارات اللجان المنظمة.

وبين أن الجامعة والمباحث العامة في منطقة عسير احتفلا أخيرًا بتخريج مجموعة من نزلاء سجن المباحث العامة في مدينة أبها ممن أكملوا دراستهم وحصلوا على الشهادة الجامعية «البكالوريوس» بتخصص إدارة الأعمال والدراسات الإسلامية ودورات عن تطوير الذات بالتعاون مع رئاسة أمن الدولة.

الفرص المتاحة

في وقت يرى كثيرون أن النزيل الذي يحصل على شهادة جامعة قد لا يستفيد منها في الحصول على عمل بعد إطلاق سراحه وخروجه من السجن، لأن سجنه يعد سابقة فد تمنع من قبول توظيفه، رد الأخصائي القانوني في وزارة العدل عبدالرزاق حسين البكري على هذا، مبينًا أن السابقة الجنائية قد تمنع صاحبها من التوظيف، لكنه فنّد السوابق، وشدد على أنه ليست كل سابقة مانعة من التوظيف، وقال «للسوابق المانعة للتوظيف شروط، ومن أهمها، إن كانت الوظيفة حكومية، ألا يكون الراغب في الوظيفة محكوم بحد شرعي، وألا يكون قد سجن في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، وأن يكون قد مضى على انتهاء تنفيذ الحد أو السجن ثلاث سنوات على الأقل (المادة 4 خدمة مدنية)».

وأضاف «مع ذلك، هناك عدد من الجهات لا تشترط خلو سجل المتقدم من السوابق، وهناك شركات في القطاع الخاص تشترط إحضار المتقدم للوظيفة شهادة خلو سوابق قبل توظيفه».

وأوضح أن صحيفة السوابق لا تضم كل الأحكام القضائية، مبينًا أن «الأحكام الجنائية فقط هي التي يتم تسجيلها في صحيفة السوابق إذا توفرت فيها بعض الشروط:

• حدًا شرعيًا غير حد المسكر

• حد السكر للمرّة الرّابعة فأكثر

• السجن مدّة لا تقل عن 3 سنوات

• إذا اجتمعت عقوبتان من العقوبات الآتية مع التنبيه على أنّ المقصود باجتماع العقوبات ما يتقرر شرعًا أو نظامًا أو بهما مجتمعين:

ـ الجلد الذي لا يقل عن 80 جلدة.

ـ السجن الذي لا يقل عن سنتين.

ـ الغرامة التي لا تقل عن 10 آلاف ريال».

وختم «مع كل هذا، يمكن أيضا لمن لديه سابقة، التقدم بطلب رد اعتبار لمسحها من صحيفة سوابقه، شرط أن يكون قد مضى عليها من 2 إلى 5 سنوات حسب نوع القضية».

دفعة الأولى

يذكر أن جامعة نجران كانت من أوائل الجامعات التي فتحت أبوابها لنزلاء السجون لمواصلة دراستهم الجامعية، وذلك منذ عام 1432 للهجرة.

وفي عام 1437 للهجرة بلغ عدد النزلاء الملتحقين بالتَّعليم الجامعي في جميع السجون بالمملكة في ذلك الوقت 868 سجينًا في كل المستويات وجميع الجامعات، بعضهم كان يدرس بنظام انتساب، فيما يدرس آخرون بنظام الانتظام في بعض السجون مثل سجن شقراء وسجن بريدة وسجون منطقة الباحة، فيما يدرس قسم أخير عبر التعليم عن بعد.

تسهيلات إضافية

زيادة بالعناية بنزلاء السجون، أبدت عدد من الجامعات تعاونًا مع المديرية العامة للسجون، حيث تحملت الجامعات الرسوم الدراسية للسجناء المنتسبين فيها.

وفي بادرة لافتة، خصصت جامعة القصيم قاعة جامعية مجهزة بكل ما يحتاجه طالب الدراسة الجامعية داخل سجن بريدة للسجناء الراغبين في إكمال دراستهم الجامعية بالتنسيق مع إدارة السجون، حيث يمكن للسجناء الجامعيين التواصل مع أكثر من أستاذ بالجامعة وفق دراسة منتظمة تشتمل على المقررات والساعات الجامعية.

استثمار الوقت

أبدى عدد من النزلاء السابقين ممن حصلوا على شهادات جامعية خلال فترات سجنهم عن مشاعرهم سعادتهم بتحقيقهم للشهادة داخل السجون والإصلاحيات، وقال النزيل السابق (ت. م) الحاصل على درجة البكالوريوس في الشريعة «قبل إيقافي كنت أحمل الشهادة الثانوية، ولم تكن لدي نية في إكمال تعليمي، ولكن بعد أن دخلت السجن، راودتني فكرة استثمار الوقت في إكمال تعليمي، ولله الحمد وجدت تجاوبًا كبيرًا وتسهيلات عدة من قبل جامعة نجران وإدارة السجن، فأكملت الدراسة ونلت الشهادة الجامعية، والآن أنا أتقد طموحًا من جديد لإكمال دراساتي العليا وإدراك ما فاتني».

كما أوضح النزيل السابق (ر. ح) أنه أكمل رحلته التعليمية داخل السجن وحصل على الشهادة الجامعية، وقال «عندما دخلت السجن كان لدي متسع من الوقت، ومع مرور الأيام اقترحت عليَّ إدارة السجن مواصلة دراستي الجامعية، وللحقيقة وجدتها فرصة مواتية لاستثمار الوقت، واخترت تخصص علم اجتماع الذي وجدتني أعشقه وقد تخرجت منه بمعدل 3.75».

أما النزيل (ن. س) فيقول «كان عمري 30 سنة حين دخلت السجن، وكنت حاصل على شهادة الثالث المتوسط فقط، لكنني شاهدت الزملاء في العنبر يدرسون في المدرسة، ففكرت أن التحق معهم، وكان عدد الطلاب في الفصل 25 طالبًا، والتخصص الموجود في الثانوية أدبي فقط، وبعدها التحقت بالمعهد المهني بتخصص دبلوم إلكترونيات، وتعلمت من خلاله تصليح الأجهزة الإلكترونية وبعض الأجهزة الكهربائية، والتحقت بالجامعة بتخصص إدارة أعمال، وأنا الآن في السنة الأخيرة من الدراسة الجامعية، وأتمنى أن أواصل وأن أنال الماجستير ومن ثم الدكتوراة».