لم تجد والدته أقوى من سلاح حرمانه من رغباته لتقويه وتجعله يكبر على إعاقته، حابسة دموعها في عينيها، ومتخطية ضعف الأم أمام نحالة جسمه وصراخه وبكائه وصغر سنه ومحاولاته استعطافها بنظرات بريئة، حيث نجحت في حبس دموعها وعبراتها، لتزرع فيه ثقة الاعتماد على النفس، ولتقنعه أنه ليس مجرد معاق عاجز، بل لديه القوة والقدرة على الاعتماد على نفسه.

تلك باختصار حروف البداية لقصة عبدالعزيز عبدالله العلياني (27 عاما) من سبت العلايا في جنوب المملكة، وهو أحد ذوي الاحتياجات الخاصة الذي أدار حياته على الرغم من أنه فاقد لطرفيه العلويين.

كلمات الوالدة

يؤكد عبدالعزيز لـ«الوطن» أن كلمات والدته التي تقول «اعتمد على نفسك، أنت لست معاقا، أنت قوي» ما تزال تتردد في ذهنه، ويقول «كان لكلماتها التأثير الكبير في نجاحي بالاعتماد على نفسي في أصغر الأمور وأكبرها، فقد نجحت في الكتابة والرسم وتناول الطعام والشراب وارتداء ملابسي وترتيبها وكل ذلك بقدمي النحيلتين، وتعلمت قيادة السيارة بهما، وبحثت عن وظيفة، وعملت في الحراسات الأمنية، وتزوجت ورزقني الله ابنتي كادي (3 سنوات)».

الحرمان سلاح

يكمل عبدالعزيز «كان لوالديّ دوراً كبيرا في مساعدتي وترسيخ مفهوم الرضاء بقضاء الله وقدره والعزيمة والصبر وحب التعلم والكفاح في الحياة، وقد واجهت ظروفا صعبة جدا لكنني واجهتها بمفردي بعد وفاة والداي، واستقلاليتي لوحدي بعيدا عن إخوتي حتى لا أكون عبئا على أي منهم فلهم حياتهم مع أسرهم وأطفالهم».

وأضاف «في بداية حياتي، ومع بدء إدراكي للأمور في سن الطفولة المبكرة بدأت والدتي تستخدم معي القوة والشدة والحزم، وما زلت أتخيل حزنها بعينيها المغرورقتين بالدموع اللتين لم أعِ أمرهما إلا عندما كبرت، فقد كانت تقسو عليّ كي أعتمد على نفسي، فكانت تحرمني من بعض الأشياء كل شيء هي تدرك أنني سأقوم بفعله وكانت تقول قم بذلك أنت قادر، كنت أرغب بالطعام فتقول إنه هناك اذهب وتنال ما تشتهيه، والماء لجانبك اشرب واعمل كذا وكذا، ومع مرور الوقت وجدت نفسي قادرا رغم صعوبة ما أقوم به، حيث استخدمت قدماي في أن أمسك بالملعقة وأتناول الطعام وأمسك بكأس الماء فأشرب».

تعلمت الرسم بقدميّ

يشير العلياني أيضا «كبرت قليلا وبدأت أتعلم القراءة والكتابة والرسم، كل هذا بقدميّ، بدأت اعتمد على نفسي في كل شيء حتى رحل والداي اللذان تركا فراغا كبيرا في حياتي، ولولا الإيمان بقضاء الله لتحطم بداخلي كل شيء، ولكن الحمدلله كان كلام والدتي ونصائحها ودعواتها ملازمة لي بحياتي، فزادتني قوة وعزيمة، فتعلمت الكثير، وطورت من مهاراتي في الرسم بقدميّ، وأتقنت السباحة في البحر والمسابح الخاصة».

الحلم الأكبر

ويضيف: كبرت وحلمت أن يكون لي دخل ثابت مع مرتب الضمان الاجتماعي، وتحقق من وظيفة حارس أمن براتب زهيد لأفكر جديا في أن امتلك سيارة خاصة، فأذهب لأي مكان دون الحاجة لأحد، وتحقق ذلك بعد أن تعلمت أمور القيادة، ليكبر حلمي وأفكر في الزواج، وتزوجت بالفعل، ورزقني الله بطفلة أسميتها (كادي 3 سنوات) فرحت بها كثيرا.

ابنتي مصدر حزني

ليكمل العلياني حديثه فيقول «للأسف لم يستمر الزواج طويلا لتطلب زوجتي الطلاق وتنفصل عني وتبتعد ابنتي مع والدتها فلا أراها إلا ما ندر، متمنيا أن يكتب لي الزواج مرة أخرى، ويتطلب ذلك موافقة من الجهات الرسمية على زواجي من التي اختارها قلبي وهي مقيمة ومن مواليد المملكة، وللعلم أنا ممن تنطبق عليهم شروط الموافقه التي أحلم بنيلها».

جبر الخواطر

يقول العلياني «في بداية حياتي كان الكثير يرمقونني بنظراتهم ويستغربون من حالي وإعاقتي ويعطفون علي، وكان البعض يغيظني بضحكاته، فاصبر وأحتسب الأجر، ولكن كل ذلك اختفى وتغير وأصبح المجتمع أكثر وعيا، فأجد التعاون من الجميع، وأسمع كلمات التحفيز، ووصفا بأننا أبطال وذوي همم، فهم بذلك يجبرون خواطرنا، وأصبحت أتعرف على الكثير من داخل منطقتي وخارجها، ونمارس سوية العديد من النشاطات والفعاليات وتكوين الصداقات».

عبدالعزيز عبدالله العلياني

(27 عاما)

من سبت العلايا في جنوب المملكة

من ذوي الاحتياجات الخاصة

أدار حياته على الرغم من أنه فاقد لطرفيه العلويين