لعقود خلت، استغل العديد من الأفغان بعض الشباب الخليجي، الذين ضحّوا بحياتهم تحت شعار «نصرة الأفغان». (كانت الطائرات تغادر محمّلة بشباب خليجيين غُر، متوجهين إلى أفغانستان، وتعود محمّلة بأفغان ضخام للعمل في الخليج!) ولم يتساءل أحد: لماذا لا يقاتل هؤلاء الشباب الأفغان بأنفسهم دفاعًا عن بلدهم؟ المنطق يقول إنهم أولى بالقتال، لكن الصحويين كانوا سذّجًا ودراويش، يرسلون الشباب دون تفكير، خصوصًا بعد إغرائهم بعبارات أفغانية براقة عن التضامن والبركات.
لم يكن الأمر مجرد استغلال سياسي، بل كان هناك انحراف ديني وأخلاقي مقزز. فالعديد من هؤلاء الأفغان، في ذلك الوقت وحتى اليوم، هم تجار مخدرات وحشيش، إلى جانب انحرافات دينية وفكرية خطيرة، وأخرى لا تُحتمل، تتعلق بممارسات شاذة. كان «الأفغان العرب» يحاولون التغطية على هذه الحقائق، ويصورون المجتمع الأفغاني وكأنه امتداد لعصر التابعين. تم التواطؤ والتستر لجذب الشباب الخليجي وإرسالهم إلى محرقة أفغانستان، في ظل وجود أهداف بعيدة المدى لحركتي الصحوة والإخوان، تتمثل في تكوين أتباع داخل الدول العربية، ليكونوا جنودًا مستقبليين لمشاريعهم الأيديولوجية.
كان الثلاثي المنحرف – تجار الحرب والمخدرات الأفغان من جهة، والصحويون السذّج، والإخوان الانتهازيون من جهة أخرى – يستفيد كل طرف منهم من الآخر، ويتستر عليه.
ما دفعني إلى كتابة هذا المقال الان هو إعلان بعض مسؤولي طالبان منع كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب، أو بالأحرى كتاب (التوحيد الذي هو حق الله على العبيد). لست هنا في مقام الدفاع عن «الوهابية»، لأنها في الحقيقة لا وجود لها كتيار مستقل، بل هي مجرد تسمية أُلصقت بأتباع دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وحتى أحفاده إلى اليوم لا يعترفون بوجود شيء يسمى «الوهابية»، لذلك وضعنا العنوان (ليس دفاعًا عن الوهابية) لأنه لا وجود لها، لكن ما يهمني هو جوهر كتاب التوحيد وأهميته، كيف يهاجم ويمنع كتاب تستكمل عن أصل من أهم أصول الإسلام وهو توحيد الربوبية والألوهية والعلاقة بينهما.
الإسلام جاء لتحرير البشر من عبودية البشر والجماد والأشياء إلى عبادة الله وحده، بلا وسيط. هذا هو الأساس والجوهر الحقيقي للعقيدة. لماذا نحتاج إلى وسطاء بيننا وبين الله، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد؟ لو لم يبقَ لهؤلاء الذين تسمونهم «وهابيين» إلا أن قبورهم ممسوحة كغيرهم من البشر العاديين لكن فخر لهم، ولم يُذكر تاريخيًا أن أحدًا قد تبرك يومًا بقبر الشيخ محمد بن عبدالوهاب أو ابن باز أو ابن عثيمين، رغم أنهم من كبار مشايخهم، ولم يروِ أن أحد منهم أو تلاميذهم علق تمائم أو توسل بغير الله، فهذا دليل على صفاء منهجهم في التوحيد.
في زمن الصحوة والإخوان وأتباعهم كانوا يصفون مخالفيهم بأنهم «ليبراليون»، وكلمة ليبرالية مشتقة من اليونانية ليبر، وتعني الحرية. والحق أن التوحيد هو أسمى درجات الحرية، لأنه تحرير للإنسان من العبودية لغير الله. نعم، قد نختلف في بعض الأحكام الفقهية مع بعض المشايخ، واختلاف العلماء في الفروع رحمة، وأنا شخصيًا أميل في العديد من المسائل إلى المذهب الحنفي مثلا، وهذا من يسر الدين، لكن في نقاء العقيدة، لا أرى صفاءً كمثل مذهب التوحيد.
أنا لست مستعدًا لأن أتبرك بقبر أو تميمة أو حجر، والله أقرب إليّ من حبل الوريد. بل في هذا الموضوع تحديدًا فلو أطلقوا ما شاءوا من أسماء وتصنيفات (وهابيين أو غيرهم) لكن هذا فخر لهما ما دامهم متعلقين بالعقيدة الصافية وتوحيد الألوهية، لم يكن الوهابي يومًا أهل تكفير ولكن كانوا أهل تطهير من شوائب العقيدة، ولم يتخذوا أبدًا مبدأ التكفير منهجًا بل الهداية والبيان، وإذا انحرف بعض التلاميذ المتأخرين فالشاذ لا حكم له، «كل الوهابين» يحبون أهل البيت، والشيخ محمد بن عبدالوهاب شيخهم الأكبر يدعى (أبا علي وحسين وحسن وفاطمة).
إنها مفارقة مضحكة مبكية أن يأتي اليوم الذي يمنع فيه تجار المخدرات ولوردات الحرب، ومن يمارسون أبشع الجرائم الأخلاقية، كتابًا يتحدث عن توحيد الله! هل هؤلاء الذين يقيمون حفلات لشذوذ الأطفال والغلمان تحت مسمى (باشا بازي) يريدون الآن إلقاء محاضرات في العقيدة؟!
لقد عارضت الصحوة لعقود لعدة أسباب، وكان أحدها أنهم جلبوا هذه الفئة المنحرفة ومنحوها قدسية! لدرجة أن بعض أتباع الصحوة تخلوا عن لباسهم النجدي الأصيل وارتدوا الزي الأفغاني غير المناسب، من باب الزهد والتقشف!
عندما تقرأ اليوم هجوم بعض متشددي طالبان على من يسمونهم «الوهابيين»، تسأل نفسك: كيف ضاع دم كل هؤلاء الشباب الخليجي في سبيل هؤلاء من تجار الدين والمخدرات؟!