تسجل رياضة الحواري نشاطا ملحوظا وكبيرا في جميع مناطق المملكة، خلال شهر رمضان المبارك، حيث باتت الأنشطة الرياضية لتلك الحواري، والتي تقام داخل أحياء المدن والمراكز والقرى السعودية منشطا تقليديا ينتشر عصريات وأمسيات الشهر الفضيل كحالة ترفيهية تنافسية باتت جزءًا من ثقافة شعبية منتشرة تمارس على مدار العام، لكنها تنفرد خلال شهر رمضان بكثرتها وتوسع قاعدة ممارسيها ومتابعيها، حتى وصلت أعدادها إلى المئات في معظم المناطق، بينها 42 دورة على الأقل في المنطقة الشرقية وحدها.

وعرفت رياضة الحواري عمومًا بأنها المنجم الذي يغذّي رياضة الأندية والمنتخبات الوطنية بالمواهب.

وفي رمضان تحديدًا تلقى مساحات الحواري اهتمامًا مجتمعيًا أكبر وتنشط فيها الفعاليات، والمسابقات الرياضية المتنوعة، كما تحظى برعايات من مؤسسات وأفراد باعتبارها فرصة للدهشة والمتعة، فضلًا عن دورها المهم على مستويات مختلفة (اجتماعية، ورياضية، وصحية، ونفسية، وحتى تطوعية) حيث تعد الأنشطة الرياضية في أمسيات رمضان فرصة ذهبية لتعزيز الصحة النفسية والبدنية لدى الشباب والمجتمع ككل.


تنافس وسط الألفة

ينعكس شهر رمضان على الحالة النفسية لرياضيي الحواري، ويمتد أثره الملحوظ على وضع المباريات والأنشطة الرياضية، حيث تكون أجواء تلك المباريات مفعمة بالألفة والتواصل الاجتماعي، مما يسهم في تحويل الرياضة إلى وسيلة لزيادة الترابط بين أفراد المجتمع.

هذه الممارسات للألعاب الشعبية والأنشطة الرياضية في عصريات وأمسيات رمضان ليست وليدة التغيير والتطور في الحياة العامة، بل هي متأصلة منذ سنوات طويلة كتقليد سعودي، ولكنها بدأت تلقى اهتمامًا أكبر إثر نشر ثقافة الوعي بأهمية هذه الأنشطة، كما أنها بدأت تحظى بتوافق مجتمعي أكبر من مختلف الفئات نتيجة لما تسهم به من تنمية وتعزيز للمهارات المختلفة، وإشغال للوقت في أشياء مفيدة.

كرة القدم

يذكر الأمين العام لرابطة كرة القدم في المنطقة الشرقية علي هبة مكرمي، أن بطولات كرة القدم في الأحياء تقام بشكل مستمر طوال العام، وذلك في مختلف محافظات المنطقة الشرقية (الدمام، الخفجي، القطيف، الخبر، الجبيل، رأس تنورة، بقيق، وغيرها)، لكنه يشير إلى أنها تنشط في شهر رمضان بشكل لافت، ما يجعل منها فعالية دورية سنوية تجمع بين مختلف الفئات العمرية وشرائح المجتمع، مما يعزز العلاقات الاجتماعية ويخلق بيئة مفعمة بالتعاون والمشاركة، ناهيك عن أهميتها لياقيًا ورياضيًا.

فئات عامة وذهبية

يبين مكرمي أن «بطولات القدم في الحواري تضم فئات مختلفة، منها الناشئون تحت 18 سنة، والشباب فوق 18 سنة، والفئة المفتوحة لمختلف الأعمار، وفئة المخضرمين ممن تتجاوز أعمارهم 45 سنة، وفئة المخضرمين الذهبيين وهم اللاعبون فوق 55 سنة».

ويضيف «تلقى هذه البطولات رعايات ومتابعة من مؤسسات عامة وخاصة حتى على مستوى البلديات، وبعض هذه البطولات تلقى رعاية من بلديات المحافظات مثل بلدية الخبر والجبيل وبقيق، كما أن هناك بطولات تلقى دعما من شركات كبرى مثل شركة بيبسي واليمامة والجشي وغيرها».

ولفت إلى أنه «من أبرز مميزات البطولات الرمضانية لكرة القدم أن مختلف فئات المجتمع تكون مشاركة إما على مستوى الدعم، أو اللعب والمنافسة، أو على مستوى الحضور الجماهيري، حيث تحضرها العوائل، كما تشارك فيها الأسر المنتجة التي تحيط بمساحة ملاعب الحواري التي تستضيف تلك البطولات».

وتابع «خصصت في معظم البطولات مدرجات للعائلات من جانب، ومدرجات للجماهير العامة من جانب آخر، كما خصصت جوائز كبرى للحضور والتشجيع، إضافة إلى جوائز للمشاركين من الفرق، وللفائزين منها».

بطولات ونجوم

يكشف مكرمي أنه «في شهر رمضان الحالي، هناك أكثر من 42 بطولة حواري مقامة في مختلف محافظات المنطقة الشرقية لكرة القدم، وأكثر من 10 آلاف مشارك ما بين لاعبين، وحكام، ومدربين، وحتى معلقين رياضيين».

وأضاف «تحظى دورات الحواري بتغطيات إعلامية محلية لنشر هذه الممارسات الرياضية التي تخدم الأفراد المهتمين أولًا، والمجتمع عامةً، والوطن على مستوى اكتشاف المواهب ثالثًا، حيث ما زالت تلك الحواري بيئة خصبة تنتج مواهب واعدة تعد رافدة للرياضة السعودية على مستوى الأندية والمنتخبات».

واستشهد بـ«لاعب الهلال علي البليهي، ولاعب الأخدود سعيد الربيعي، وخالد الغامدي، وسعود كريري، وكثير من نجوم القدم السعودية كانوا نتاج هذا النشاط المتوهج في ملاعب الحواري التي لها انعكاسات إيجابية مهمة على المجتمع بشكل عام».

أرض للأجيال

من جانبه، يذكر عبدالله المحفوظ، وهو أحد المنظمين لبطولة الحوطة في مدينة سيهات، وهي بطولة مخصصة لكرة اليد أن «المساحة الرملية التي تقام فيها لعبة اليد تجاوزت الـ18 عامًا، وتخرج منها أبطال في قبضة اليد مثلوا نادي الخليج ومنه انتقلوا إلى تمثيل المنتخبات السعودية، وحققوا إنجازات وطنية تفخر بها مدينتهم، مثل منصور السيهاتي، ومحمد هاني الباشا، وغيرهم، وبقيت هذه الأرض حافزًا للأجيال فمن جانب هي توفر الفرصة للشباب للتعبير عن أنفسهم ومهاراتهم من خلال رياضة اليد، وهي اللعبة الأكثر شعبية في المنطقة الشرقية، مما يعزز من ثقتهم بأنفسهم، ويشجعهم على تحقيق إنجازات جديدة».

وتابع «تشكل دورات الحواري أرضية لا بد منها لإظهار إبداع اللاعبين القدامى الذين غالبًا ما يشاركون في مباريات ودية تشجع الشباب والناشئة ليمضوا على نهجهم في الاحترافية، مما يؤدي إلى رفع مستوى المشاركة والتفاعل الإيجابي الذي يظهر جليًا في تحسن معنويات الجيل الماضي ويرفع حماسة الجيل القادم».

بطولة تفاعلية

لفت المحفوظ إلى أنهم عملوا على تحسين الملعب في الآونة الأخيرة، وقال «بدأنا قبل سنتين في تحسين موقع الملعب (الحوطة)، وعملنا على تهيئة المكان بما يتناسب مع إقامة بطولة تفاعلية حماسية تنطلق بعد منتصف شهر رمضان، ويمهد لها بمباريات ودية، وبالإعداد للبطولة منذ أول يوم في رمضان وصولا للمسابقة التي تشارك فيها فرق متنوعة من مختلف مناطق المحافظة، وسط حضور جماهيري كبير».

وتابع «نسخة هذا العام هي النسخة الثانية للبطولة، وتضم 8 فرق من مدن وقرى محافظة القطيف، منها فريقان من مدينة سيهات، وقد لقيت نسخة هذا العام رعاية ماسية من تطبيق لوكيت وبعض من الجهات المجتمعية التي قدمت دعمًا كريمًا لنشر الوعي بأهمية هذه البطولات والمباريات؛ باعتبارها وسيلة فاعلة للحفاظ على اللياقة البدنية، وتحسين الصحة النفسية، وتنمية المهارات، وخلق بيئة إبداعية».

ونوه إلى أن «العناية المجتمعية أحاطت بالنسختين الأولى وكذلك الثانية من البطولة بما يضمن إقامتها بالشكل المأمول».

وتابع «دعم المؤسسات والجهات المختلفة لهذه الأنشطة يعد مؤشرًا مهمًا على التزامها بالمسؤولية الاجتماعية، مما يزيد من فرص نجاح البطولة وفعاليتها».

طائرة الحلة

لا تقتصر دورات الحواري على منافسات كرة القدم وكرة اليد فقط، بل امتدت كذلك إلى الكرة الطائرة، حيث تعد بطولة الأزهر الرمضانية لكرة الطائرة من أبرز البطولات المنظمة في محافظة القطيف في المنطقة الشرقية، منطلقة من مزارع قرية «حلة محيش» الصغيرة إلى مساحة أكبر بجانب مستوصف البلدة، ومنها إلى ملعب نادي الأزهر، وذلك بإشراف من رابطة الهواة، وباهتمام ومتابعة الاتحاد السعودي لكرة الطائرة، وفق ما ذكره منظم البطولة الدكتور علي الدمستاني.

ويقول الدمستاني «هذه البطولة الرمضانية مستمرة بعد تحقيقها للنجاح في السنوات الأخيرة، ونحن نطمح إلى أن تكون كرنفالًا رياضيًا سنويًا، خاصةً بعد ارتفاع نسبة الإقبال عليها من قبل الفرق المشاركة، وارتفاع نسبة متابعتها الجماهيرية وصولًا إلى الرعايات والدعم الكبير الذي توليه مؤسسات المجتمع وأفراده لها».

متنفس بلا ضغوط

عن الإعلان والتسجيل لهذه البطولة، ذكر الدمستاني «يتم التواصل بشكل مباشر مع الفرق، إضافة إلى الإعلان عن البطولة والتسجيل فيها في صحف المنطقة».

ولفت إلى أن غالبية اللاعبين في هذه البطولة هم من لاعبي الأندية الرسمية ولاعبي المنتخبات السعودية، وقال «يجد هؤلاء اللاعبون في هذه البطولة متنفسًا بعيدًا عن اللعب بتكتيك المباريات الرسمية وضغوطها».

وعن الرعايات والدعم، قال «بلغ عدد الرعاة لهذا العام 80 راعيًا للبطولة، حيث تسهم هذه الرعايات في تعزيز دورنا في نشر الثقافة الصحية، وتعزيز الوعي بأهمية الرياضة في حياة الأفراد، مما يشجع الشباب على تبني أنماط حياة صحية مستدامة».

وأوضح أن من بين الأهداف المهمة لهذه البطولات، غرس روح التطوع بين أبناء المجتمع، إذ إن فريق التنظيم بالكامل، إضافة إلى كوادر العمل اليومية، والمسعفين، وغيرهم هم من المتطوعين.