نجد أن المساعي الحميدة التي تبذلها السعودية ممثلة بسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الوساطة لحل الأزمة الروسية - الأوكرانية نموذج فريد من نوعه في إدارة الخلافات الدولية. إذ تدرك المملكة، النزاع الروسي - الأوكراني ليس مجرد صراع جغرافي أو عسكري، بل هو خلاف بين أنظمة لها خلفيات سياسية وقانونية مختلفة. لذلك، نجد أن النموذج الذي يقدمه سمو ولي العهد يعترف بهذا الخلاف ولا يتبنى موقفاً إقصائياً أو متحيزاً لأي طرف من الأطراف بغرض إبقاء الجميع على طاولة الحوار. فمن خلال هذا النموذج نجد أن ولي العهد نجح في بناء دور دبلوماسي سعودي يستند إلى تعددية الخطاب السياسي - القانوني. أي إنه يتحدث بلغة الخطاب الأوكراني الغربي عند مناقشة السيادة، ولغة الخطاب الروسي عند الحديث عن الأمن الدولي، ولغة الاقتصاد عند الحديث عن الطاقة والأسواق العالمية. فهذه المهارة في التنقل بين الخطابات تجعل الوساطة السعودية أكثر قبولاً من جميع الأطراف، حيث لا يتم فرض خطاب معين على أحد. بمعنى آخر، أن سمو ولي العهد بنموذجه الفريد من نوعه كسر النموذج التقليدي، الذي يميل إلى تقسيم الخلافات الدولية إلى معتدٍ وضحية، ليتيح مجالا للحوار البناء وحسن النوايا.
فالمملكة، في وساطتها في حل النزاع الروسي - الأوكراني تطبق ما جاء في المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تدعو إلى استخدام الوساطة كوسيلة سلمية لحل النزاعات الدولية، لا تعتمد على فرض حلول قسرية، وإنما تتبنى منهجاً مرناً يسعى إلى تحقيق تقارب وجهات النظر التدريجي. ما يتماشى مع رؤية 2030 التي تسعى إلى ترسيخ المملكة كمساهم رئيس في تحقيق السلام الدولي. فما قاله رئيس الأركان الأمريكي الأسبق فريد فليتز في لقائه مع قناة العربية أن «المملكة العربية السعودية مصدر ثقة كمحاور للولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا؛ إذ أنه كان من الصعب حقا العثور على صانع سلام موثوق به للمساعدة في هذه المساعي، ربما إذا أُعلن عن جائزة نوبل فسيكون ولي العهد السعودي هو من سيحصل عليها»، لم يأت من فراغ أو مجاملة، وإنما هو اعتراف بالجهد الفريد من نوعه الذي يقدمه سمو ولي العهد، كنموذج للوساطة في العلاقات الدولية، والذي يوازن بين احترام القانون الدولي وتحقيق الاستقرار العالمي.