في لقاء إعلامي اتسم بالشفافية والوضوح، أطلّ وزير الإعلام سلمان الدوسري في حديثه مع الإعلامي عبدالله المديفر، حيث أجاب عن عدد من التساؤلات الجوهرية المتعلقة بالإعلام السعودي. وكان مما شدّ الانتباه في حديث معاليه، تأكيده أن الحكومة لا تطلب المدح، وأن سمو ولي العهد لا يقبل الإطراء، بل يرفض المدح الزائف. وقد شدد على أن دور الإعلام ليس التمجيد، بل إبراز الإنجازات وعرض الواقع كما هو.

لقد كتبنا مرارًا وفي عدة مقالات أنه في عهد رؤية المملكة 2030، وتحت قيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- لا نحتاج إلى التملق أو المجاملة، فما تحقق من تحوّلات وإنجازات يتجاوز كل محاولات التزيين أو التجميل، ونحن اليوم أمام مرحلة تاريخية هي الأعظم في حياة الدولة السعودية منذ تأسيسها قبل أكثر من ثلاثة قرون.

السعودية باتت اليوم محط أنظار العالم، ومحور الحديث في المحافل الدولية، بل وأصبحت بوصلة الجغرافيا السياسية والاقتصادية للمنطقة، ونكتب بلغة الأرقام والنتائج، لا بلغة المجاملة. ولي العهد، الذي استطاع أن يجمع في بلاده الأقطاب الدولية من الشرق والغرب، وباتت كبرى العواصم العالمية تنتظر مبادراته وتتشاور معه وتتبع رؤاه، والعالم اليوم يضبط ساعته على توقيت الرياض.


إنجازات الأمير محمد بن سلمان كثيرة ونحتاج مجلدات ويصعب حصرها في مقال، لكنها تبدأ بإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر الدخل، وتأسيس مشروعات عملاقة مثل «نيوم» و«ذا لاين» و«الرياض الخضراء» وغيرها كثير، وتمر بإصلاحات اجتماعية وهيكلية، وتصل إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية للمملكة على مختلف المستويات، حتى بات يُنظر إلى السعودية كقوة استقرار وصناعة مستقبل في المنطقة والعالم.

ومع ذلك، نأسف أن بعض الإعلاميين يمرون مرور الكرام على هذه التحولات الجذرية، ويغرقون في تناول تفاصيل هامشية، من قبيل وصف ملابس الأمير أو طريقة ارتدائه للبشت! نعم، نقبل من مواطن عادي أن يعبّر عن حبه بهذه الطريقة العفوية، ولكن لا نقبل أن تتحول لغة بعض الإعلاميين إلى لغة عاطفية سطحية، من باب ربما كسل أو رفع عتب، تبتعد عن جوهر الرسالة الإعلامية ومسؤوليتها. أبو سلمان الرجل شاغل العالم وجامع أقطاب قوى العالم وقائد المنطقة ومغير شكل الشرق الأوسط أكبر من ذكر طريقة لبس بشته.

ألم تر أن السيف ينقص قدره

إذا قيل إن السيف أمضى من العصا؟

نحن في السعودية الحالية لا نحتاج إلى التملق، فالسعودية اليوم تُحدث تغييرات مفصلية كبرى عالمية، لا يليق بها إلا إعلام بمستوى الحدث.

الجانب المضيء الآخر في حديث الوزير الدوسري هو تأكيده أن المطلوب من الإعلام ليس أن يكون مجرد «علاقات عامة»، بل أن يؤدي دوره الحقيقي في تسليط الضوء على القضايا الجوهرية، وكشف مكامن القصور، وأن النقد البنّاء جزء أصيل من وظيفة الإعلام.

لكن، رغم هذا الطرح الجميل، نواجه واقعا مغايرا، إذ نجد بعض الأقسام القانونية في عدد من الجهات تمارس دور «مطاردة» الصحفيين، حتى إن كان الصحفي لم يخطئ. وأحيانًا يكون الهدف هو إرهاقه وإرعابه لئلا يعيد التجربة مرة أخرى! (من باب نطارد فيه في اللجان أو القضايا ونتعبه علشان ما يعيدها !)

إذا أردنا إعلامًا ناضجًا، فيجب أن تكف بعض الجهات عن ملاحقة الإعلاميين، وأن نمنح وزارة الإعلام وحدها حق تقييم أدائهم ومحاسبتهم إن لزم الأمر. فهي وزارتهم وهي مسؤولة عن تقويم أخطائهم إن وجدت، النقد البنّاء لا يجب أن يُقابل بالتخويف أو التشكيك.

هناك ظاهرة أخرى باتت ملحوظة في وسائل التواصل الاجتماعي، وهي قيام بعض الأشخاص بوضع صورة اعتبارية توحي بالرسمية، ثم يبدأ في توزيع «صكوك الوطنية» وتصنيف الناس، وكأنه يحتكر الحقيقة، والمفارقة أن بعضهم يملك ماضيًا غير ثابت، أو كان من الذين يتقلبون بين التيارات بحسب المصالح والاتجاهات وربما من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار!

وربما سؤال بسيط من قبيل: «أين كانوا في 2011؟ وما موقفهم من أزمات الوطن السابقة؟» كفيل بأن يفضح الكثير من الادعاءات.

ومن النقاط الجديرة بالتأمل أيضًا، أننا تابعنا مؤخرًا عددًا من الحلقات المتميزة لبرامج إعلامية احترافية، تميّزت بدرجة عالية من الشفافية تستحق الشكر والتقدير. غير أن ما افتقدناه في تلك الحلقات، رغم عمق الطرح ووضوح الرؤية، هو غياب عنصر جوهري: قصة المواطن!

لقد استعرض بعض المسؤولين تجاربهم، وتحدّثوا عن الإنجازات والتحديات والتوجيهات، وشاركوا نتائج ما تحقق من مبادرات ومشروعات، ولكن... أين كان المواطن في هذه المعادلة؟ أين صوته؟ أين تواصله مع المسؤول؟ أين رأيه؟ وأين تفاعله؟

رؤية المملكة 2030، بكل ما تحمله من طموحات ومسارات تطوير، إنما تتمحور حول تحسين حياة المواطن، والارتقاء بجودة يومه وغده. ومع ذلك، لم نسمع مسؤولا يقول: «جاءني مواطن، وطلب كذا، أو تمنّى كذا، أو عبّر عن رضاه بعد تحقيق هدف من الأهداف». لم نجد من ينقل لنا ردة فعل المواطن الحقيقية إزاء ما يجري على الأرض من تحولات كبرى، كنت أبحث عن قصص المواطن واتصاله مع المسؤول وردة فعله على ما أنجز!

العلاقة بين المواطن والمسؤول موجودة دون شك، وقد تكون حاضرة بأشكال متعددة، لكن غيابها عن المشهد الإعلامي يفقد الصورة بعدها الإنساني والتكاملي. فالموضوع لا يُختزل في تحقيق مؤشرات أداء (KPI) أو تنفيذ توجيهات عليا فقط، بل في مدى انعكاس ذلك على حياة الناس.

ما يقوم به سمو ولي العهد ــ حفظه الله ــ من جهد متواصل، وعمل دؤوب ليل نهار دون كلل أو ملل، هدفه الأسمى والأول هو رفع جودة حياة المواطن في كل الجوانب: الصحية، الاقتصادية، الاجتماعية، الأمنية، والتنموية.

ونحن نعلم أن المسؤولين اليوم يعملون بكفاءة عالية ولساعات طويلة لتحقيق مستهدفات الرؤية، ولكن من المهم ألا يغيب عنهم المستفيد الأول من كل تلك الجهود: المواطن.

يفضل دائما أن يُؤخذ رأي المواطن من المسؤول مباشرة، وتُستمع لمشكلاته، وتُرصد تقييماته، وتُقدّر ردود فعله. فكما أن سمو ولي العهد جعل المواطن أولوية قصوى في كل مشاريع الدولة، ينبغي على جميع المسؤولين أن يستشعروا هذا التوجّه، وأن تكون خططهم وقراراتهم من المواطن وإليه.

نعم، ستتحقق الأهداف، وستُنجز الرؤية ـ بإذن الله ـ لكن الأهم أن يكون هذا التحقق متوازيًا مع احتياجات المواطن وهمومه وتطلعاته، وهذا هو المعيار الحقيقي لنجاح أي مشروع وفاعلية أي مسؤول.

وفي سياق الحديث عن الشفافية الإعلامية، لا يمكن تجاهل ما نسمعه حول صعوبة التواصل مع بعض المسؤولين، خصوصًا من الجيل الجديد!. فقد بات يُلاحظ وجود حواجز غير مبررة، وغياب لمسارات تواصل فعّالة ومباشرة بين بعض المسؤولين والعامة.

يُقال – مع الأسف – إن بعض المسؤولين من الجيل الشاب نسبيًا، رغم كفاءتهم وحماسهم، يصعب الوصول إليهم أو التأثير عليهم بوجهات نظر مختلفة، وكأن هناك اعتدادًا مفرطًا بالرأي، أو شيئا من التعالي غير المبرر (ربما شوفة نفس)، بينما وعند المقارنة، نرى أن كثيرًا من المسؤولين الأكبر سنًا الحاليين، وأصحاب الخبرة والتجربة، كانوا أكثر انفتاحًا على الآراء، وأكثر مرونة في التعامل، ويتمتعون بمهارات تواصل إنسانية تُقربهم من الناس وتمنحهم احترامًا عفويًا في القلوب.

وفي النهاية، لا بد من التذكير بأن المسؤول – أيًّا كان موقعه أو جيله أو درجته الوظيفية – هو موظف عام، الأمانة التي يحملها ليست فقط تحقيق المؤشرات أو الوصول إلى الأهداف، بل الأهم من ذلك: خدمة المواطن والحرص على مصالحه، والتفاعل مع صوته وهمومه واحتياجاته. ويجب أن يكون التواصل فعالا ومباشرا، فمن دون ذلك، تفقد المناصب معناها، والإنجازات قيمتها.