يأبى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلا أن يثبت مكانة الرياض العالمية. ففي ولايته الأولى، كانت أول زيارة خارجية له إلى السعودية. والآن، وفي ولايته الثانية، يختار أيضًا أن تكون أول زيارة خارجية له إلى السعودية. وهو، بهذا، يبرهن للأعداء على المكان والمكانة الحقيقية للرياض، سواء أكانت سياسية أو اقتصادية. وترمب، بهذه الزيارات وهذه الاختيارات للرياض على حساب عواصم عالمية أخرى، يؤكد للعالم مدى عمق ومكانة التحالف الإستراتيجي بين السعودية والولايات المتحدة. تحالف إستراتيجي للبلدين، ابتداء من الخطوة العبقرية التي اتخذها الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- حينما وجه البوصلة السعودية إلى تعاون سعودي أمريكي، وهذا كان غاية في الدهاء والعمق والذكاء السياسي في حينها. وهذه العلاقة الإستراتيجية أثمرت تعاونًا سعوديًا أمريكيًا على أعلى الأصعدة. في هذه الزيارة، أثبت الأمير محمد بن سلمان بُعدَ نظره السياسي والاقتصادي عبر تعزيز التعاون الاقتصادي والدفاع والطاقة والتكنولوجيا، فالولايات المتحدة رائدة هذه الأركان في الكوكب، والسعودية رائدة المال والنفط، فمن العبقرية السياسية استغلال التفوق الأمريكي لنقل الخبرات والموارد والتكنولوجيا إلى أرض المملكة بدلاً من أن تكون مستوردة. كذلك، لا ننسى أهمية عودة ترمب للرئاسة، ما جعله حريصًا على الإنجازات، ولا يوجد بلد طموح كالسعودية، ولا بلد متقدم كالولايات المتحدة، فسعى ترمب إلى تعزيز العلاقة مع الرياض بأكبر قدر ممكن.

نتج عن الزيارة توقيع اتفاقيات في الدفاع والطاقة والتعدين (استخراج المعادن النادرة بتسعة مليارات دولار) وشراكات في الذكاء الاصطناعي، ما سينعكس على مستقبل الوطن ومستقبل الأجيال القادمة بشكل إيجابي، حيث ستنقل هذه الاتفاقيات السعودية من بلد نامٍ، تقليدي، مستهلك، إلى بلد متقدم، منافس، يتنافس على المراكز الأولى. وعلينا ألا ننسى أن ذلك لم يكن ليحدث لولا وجود سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وكل هذا، ولا شك، سيساهم في التحول الاقتصادي والتكنولوجي الذي تنشده الرياض برؤية 2030. سيساهم التعاون الأمني في تعزيز أمن السعودية، بل وأمن المنطقة بأكملها، ما سيجعلها أكثر أمنًا وأمانًا، وسينعكس على شعوب المنطقة بالأمن والاستقرار، وبالتالي جذب رؤوس الأموال للمنطقة والاستثمار فيها، وهذا بدوره سينعكس على رفع جودة الحياة لشعوب المنطقة بشكل عام. الشراكة الاقتصادية سيكون لها أثر كبير في زيادة الاستثمارات الأجنبية في السعودية، لأن هذه الإستراتيجية الاقتصادية بين الرياض وواشنطن ستعزز الثقة لدى رجال الأعمال والشركات ليأتوا برؤوس أموالهم إلى البلد.

الاتفاقيات التي تم توقيعها تشير إلى أن تأثيرها سيمتد بشكل إيجابي إلى الاقتصاد والتكنولوجيا، بشكل سيحقق نقلة نوعية، ما يعني أن الرياض ستنتقل من معايير العالم العربي إلى معايير دول الاتحاد الأوروبي، وسيلحظ المواطن البسيط هذه التغيرات بشكل ملموس على حياته اليومية. الجميل في هذه الاستثمارات أنها خرجت من الطابع التقليدي للاستثمارات إلى الابتكار، فالاستثمار هنا سيكون معظمه في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، والسماح بتصدير رقائق متقدمة من شركات ذات اسم كبير في هذا المجال، كشركة إنفيديا، لتطوير مراكز بيانات. كذلك، ستدعم اتفاقيات التعدين استخراج المعادن المهمة النادرة لدعم صناعات التقنية.


التغطية الإعلامية التي صاحبت الزيارة كانت كبيرة بحجم الرياض وبحجم الاتفاقيات الموقعة وبحجم زعيم كولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فقنوات فضائية أمريكية، كقناة فوكس نيوز، وغيرها الكثير من القنوات الإخبارية الأمريكية والكندية والأوروبية، غطت الزيارة وتابعت أولاً بأول جميع الاتفاقيات التي تم توقيعها، وانشغل محللوها بمتابعة مستجدات الزيارة ونتائجها على البلدين، السعودية والولايات المتحدة، وهذا يبرز أهمية القائدين، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وما تحمله لقاءاتهما من أهمية للمال والأعمال وللسياسة وعالمها.

كما أضاء الملك عبد العزيز درب التعاون الإستراتيجي قبل عقود، تضيء الرياض اليوم طريق الابتكار والازدهار بزيارة ترمب التاريخية. هذا التحالف السعودي الأمريكي، لا يعزز قوة الرياض السياسية والاقتصادية فحسب، بل يمهد لاستقرار اقتصادي عالمي. فليكن هذا التعاون دعوة للمستثمرين والمبتكرين حول العالم للانضمام إلى رحلة السعودية نحو مستقبل واعد.