البرامج التلفزيونية الشهيرة (قنوات الواقع) التي صعدت أسهمها فترة ثم خفتت لتعود من جديد ولكن بالمستوى الهابط نفسه والمنافي لبعض عادات المجتمع وقيمه؛ ما يثير الحفيظة ذلك الدعم والتشجيع لبعض الأشخاص المشاركين في هذه البرامج، حتى أن القبيلة والعائلة وربما منطقة بأكملها تستنفر لدعم ابنها ليحقق المركز الأول ! في ماذا ؟! في نسبة الأصوات التي رشحته ليكون بطلا بلا بطولة، البطولة حققتها القناة المنتجة للبرنامج من خلال أرباحها المليونية التي جنتها بفضل تصويت جمهور القبيلة لابنها البطل ! ولا نلوم القناة ومن وراءها، اللوم للجماهير التي ما زالت تركض خلف الشعارات الزائفة. ما يحزن أكثر هو تلك الشخصيات الاعتبارية في المجتمع والتي تحث الجماهير على التشجيع والتصويت ومتابعة مثل هذه البرامج بهدف دعم عضو القبيلة، بينما تغض الطرف وقد تتجاهل ذلك الفرد والذي حقق إنجازًا علميًا أو تفوق دراسيًا أو كان ممثلًا لوطنه في الخارج وعاد وهو محقق للمركز الأول ليس بتزكية الجمهور وتصويته وإنما بعلمه وذكائه وحرصه على أن يرفع اسم الوطن في محافل عالمية ترعى الإبداع والمبدعين. وهذا هو الإنجاز الذي يجب أن ندعم صاحبه ونصفق له ونشجع غيره من شباب الوطن وشاباته على المنافسة في مثل هذه المجالات التي يحتاجها الوطن، ويحتاجها المجتمع لرفع مستوى الوعي بين أفراده. المجتمع الواعي هو من يصنع لنفسه مكانة مرموقة ويكون قبلة الباحثين عن المعرفة من كل العالم، هنا لا ننادي بالانسلاخ عن قيمنا وعاداتنا، ولكن بعض الممارسات التي ألصقت بعاداتنا ودخلت تحت مسمى الفزعة هي التي تشوه الكثير من عاداتنا والتي تحث على التكافل وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم وتقديم العون والمساعدة لمن يحتاج بدافع إنساني، وليس العون لمن يرغب أن ينصب نفسه نجمًا ومشهورًا من جهد وتعب غيره. والرسالة الأخطر التي تصل للشباب من خلال تلك الأفعال أن التفاهة هي ما تصنع النجوم وليس الجهد والمثابرة، لذلك أصبح هم الشباب هو تحقيق الشهرة والوصول للجماهير بطرق غير لائقة ومثيرة للجدل، وهذا الأمر هو ما يرفع عدد المشاهدات لمحتواها ومن ثم المتابعين لحسابه، وبين ليلة وضحاها يصبح نجم إعلانات وضيفًا كبيرًا يتسيد المجالس ويشاد بفعله وأنه القدوة الأمثل لجيله. ونظل ننتقد بعض مشاهير السوشال ميديا، متناسين أننا من صنعهم وأوصلهم إلى ما هم عليه، وما زلنا نفعل ذلك من خلال التفاعل مع حساباتهم والتسابق للتعليق على منشوراتهم، حتى وهي لا تحمل معنى أو قيمة، غير ذلك التدافع بجنون لمشاهدات زول مشهور سمعنا أنه قد يوجد في مكان ما، ولو أدركنا للحظة أننا من نملك مفتاح شهرتهم وأيضًا سقوطهم، لربما تغير الحال وأصبحنا نقدر ذواتنا ولا نسمح لها بأن تكون مثل زهر الرند الذي يتحرك عشوائيًا وبحسب هدف الرامي. ما نحتاجه أن نتحكم في ذائقتنا وما نختار، ونفرق بين ما يبني مجتمعنا ومن يسهم في تقويض المبادئ والقيم. كذلك فرض قوانين صارمة على ما تسمى بقنوات الواقع بحيث لا يترك المجال مفتوحًا لها ولبرامجها التي لا تنفع بل تضر. وفي المقابل لماذا لا تنتج برامج مشابهة لما يطرح الآن يتنافس فيها مخترعون وموهوبون في العلوم والتكنولوجيا، فهم من يستحقون الدعم والتشجيع، وحتى التصويت. لو تم ذلك سنحتفي بتخريج نخبة من العلماء والمخترعين، نفاخر بهم العالم عوضًا عما هو حاصل الآن.