في الوقت الذي باتت فيه كاميرات المراقبة المنزلية والتجارية، واقتحمت فيه كثير من الأدوات التقنية حياة الناس، برزت إشكاليات عدة ما زالت مثار جدل وأخذ ورد، تتعلق بتلك الشعرة الفاصلة بين متطلبات الأمن وحقوق الخصوصية الفردية، منطلقة من تساؤلين مهمين:

كيف يمكن أن يكون وضعك وأنت تحت وطأة عيون مراقبة تتلصص في منزلك؟.

وكيف يمكن للأمر أن ينعكس تهديدا لأمانك الداخلي؟


ويؤكد خبراء التكنولوجيا أن من السلبيات الأبرز لكاميرات المراقبة أنّ كلّ ما تسجّله من أنشطة شخصية قد يُصبح مُخزنًا على الإنترنت إلى الأبد، وهو ما يشكل تهديدات ذات صلة بالبيانات الشخصية، بما فيها تحركات الأفراد وعلاقاتهم، وإمكانية اختراق الأنظمة، وإمكانية سوء الاستخدام مثل الابتزاز أو التشهير، وإمكانية التلاعب بها وتعطيلها، وإساءة استخدامها من قبل بعض الأطفال لمراقبة الآخرين دون علمهم أو موافقتهم، مما قد يُؤدّي إلى انتهاك خصوصيتهم، وتنمر الإلكتروني ضدّ الآخرين من خلال تصويرهم أو تسجيلهم دون موافقتهم.

عيون تتجسس

لا يكاد يخلو منزل أو محل تجاري من كاميرات المراقبة التي تمثل نوعًا من الحماية للمكان، ولكن المجال التقني التكنولوجي وتعقيداته يثبت أن لكل شيء وجهان إيجابي وسلبي، ويقول الاختصاصي في الأمن السيبراني مجدي النصر «مع التوسع المتسارع في استخدام كاميرات المراقبة داخل البيوت والمنشآت التجارية والصناعية، أصبح من الضروري التوقف قليلًا عند البعد الأمني لهذه الأجهزة، لا سيما أنها تشكّل جزءًا من منظومة إنترنت الأشياء (IoT) – والتي بطبيعتها تحمل تحديات أمنية جوهرية».

واستشهد بأنه في عام 2021، تمكّن مهاجمون من الوصول إلى أكثر من 150.000 كاميرا مراقبة تابعة لشركة Verkada، والتي كانت مثبتة في مستشفيات وسجون ومقرات شركات كبرى مثل Tesla – مما يعكس حجم الخطر عند إغفال جانب الحماية، مشددًا على أهمية رفع الوعي، وتقديم الإرشادات، وتبني أفضل الممارسات لحماية الخصوصية بقوله «قد تكون كاميرات المراقبة سلاحًا ذا حدين؛ وسيلة فعالة للأمن.. أو بوابة مفتوحة للتهديدات إذا لم نحسن تأمينها».

مواطن الخطر

يكمل النصر تحذيراته، ويقول «بحكم تخصصي في الأمن السيبراني، لاحظت أن كثيرًا من الكاميرات تُطرح في الأسواق دون الحد الأدنى من متطلبات الحماية»

وبتفصيل، يعدد أبرز النقاط التي تجعل هذه الأجهزة عرضة للاختراق:

• الإعدادات الافتراضية غير المؤمّنة: معظم الكاميرات تأتي بكلمات مرور افتراضية لم يتم تغييرها. هذا يسمح لأي مهاجم بالدخول بسهولة تامة.

• نقل البيانات دون تشفير: بعض الكاميرات لا تستخدم بروتوكولات التشفير الآمن (مثل HTTPS أو SSL)، ما يجعل البيانات المُرسلة عرضة للتنصت.

• ثغرات غير مرقّعة: عدد كبير من الشركات لا توفر تحديثات منتظمة للبرمجيات الثابتة، ما يُبقي الثغرات مفتوحة أمام المهاجمين.

• الوصول السهل عبر الإنترنت: ربط الكاميرا بالإنترنت دون إعدادات حماية قوية (جدار ناري، VPN، مصادقة متعددة العوامل) يجعلها مكشوفة لأي شخص يعرف عنوان IP الخاص بها.

تهديد للخصوصية

أوضح النصر «هذه الثغرات لا تعني فقط تهديدًا تقنيًا، بل تهديدًا مباشرًا للخصوصية. فالمخترق – حال وصوله إلى الكاميرا – يمكنه:

• التجسس على الحياة اليومية للمستخدمين دون علمهم.

• تحديد مواقع الأشخاص والعائلات وأنماط تحركاتهم.

• استخدام اللقطات الخاصة في حملات ابتزاز أو نشرها على الإنترنت، كما حدث في حالات مثل تسريبات موقع Insecam.

حلول وقائية

لتقليل خطر الاختراق، أوصى النصر باتباع هذه الإجراءات:

1. تغيير كلمات المرور الافتراضية فورًا، واستخدام كلمات مرور قوية وغير متكررة.

2. تحديث البرنامج الثابت (Firmware) بشكل منتظم.

3. تفعيل التشفير في الاتصال بين الكاميرا والتطبيق أو السحابة.

4. عزل شبكة الكاميرات عن شبكة المستخدمين عبر VLAN أو شبكة Wi-Fi مستقلة.

5. تفعيل المصادقة متعددة العوامل (2FA)، خاصة للكاميرات التي تعتمد على حسابات سحابية.

6. عدم ربط الكاميرا مباشرة بالإنترنت دون وساطة VPN أو إعدادات NAT محكمة.

7. اختيار كاميرات من شركات موثوقة تلتزم بمعايير أمنية معروفة (مثل ISO 27001).

قم بالتغيير

من جانبه، يشرح الاختصاصي نضال المسيري ما يتعلق بالخصوصية، ويوضح «أغلب من يركبون الكاميرات يعتمدون على البيانات الافتراضية التي تأتي من المصنع، ولا يقومون بتغييرها، بينما المفترض تغييرها مباشرة بعد التركيب، وكل شهرين مرة، لأن البيانات الافتراضية تبقى لدى عمال التركيب وهنا تكمن المشكلة».

وأضاف «مشاركة بيانات الكاميرات لأجهزة أو أشخاص لا يتبعون قواعد صارمة في التعامل مع ضوابط حماية الخصوصية يعني إمكانية اختراق الخصوصية، وكذلك اختيار كلمات مرور سهلة ومتوقعة، وعدم استخدام معايير كلمات المرور الصعبة من دمج بين الحروف والأرقام والرموز».

ولفت إلى أنه «يجب مراقبة سجل الكاميرات ومتابعة أي محاولة دخول غير مشروعة لزيادة فرصة الحماية، وكذلك اختيار شركات ذات سمعة جيدة في الحماية وليست رخيصة بالمجمل، علاوة على تحديث النظام الداخلي للكاميرات بشكل مستمر لأن ذلك يسد الثغرات ويحدثها النام، وهو أمر مهم جدا».

طرق الاختراق

بدوره، قال الاختصاصي في الأمن السيبراني حسين عباس «كاميرات المراقبة مثلها مثل غيرها من الأنظمة عرضة للاختراق بطرق مختلفة، أسهلها عبر البرمجة الاجتماعيّة للضحية، وأصعبها هو عبر الاستيلاء على DNS الخاص بالبث المباشر».

واستدرك «لكن الحلول متوفرة عبر استخدام اتصالات مشفرة وموثوقة بين المستخدم ونظام المراقبة».

وعن طرق اختراق أنظمة المراقبة، قال: «تسليم عملية ربط النظام بالإنترنت عبر تطبيق الهاتف الذكي للعمالة دون الإشراف المباشر من صاحب العمل أو العميل، حيث يفضل كثير من العملاء استلام الهاتف بعد المرور على كثير من الخطوات الضرورية لكن المزعجة بالنسبة لهم، ويطلب النظام بطريقة (نبغى ولدٍ يقرأ)، في حال استخدم أحد هذه الطريقة بإمكانه العودة للحساب المرتبط بنظام المراقبة لديه وتغيير كلمة المرور والتأكد من ربط حساب المستخدم برقمه الهاتفي الخاص، وكذلك ربطه بإيميله الشخصي، كذلك يجب العودة لجميع الكاميرات وأجهزة التخزين في تطبيق الهاتف الخاص بالنظام والتأكد من عدم وجود أي صلاحيات للوصول ممنوحة لحساب مستخدم آخر».

اتصالات غير مشفرة

يواصل عباس شرح طريقة اتصال النظام، ويقول «يحتاج نظام المراقبة إلى اتصال مباشر بالإنترنت حتى يتصل على عنوان DNS ثابت، وحيث إن هذه العناوين غير مجانية (مدفوعة الثمن) تتجه كثير من الشركات التي تصنع نوعيات رديئة ورخيصة الثمن من الكاميرات وأنظمة المراقبة إلى استخدام اتصالات غير مشفرة لأن الاتصالات ذات التشفير المطلوب تكون ذات تكلفة إضافية، والنتيجة وجود اتصالات معرضة للاختراق بأقل مجهود ما يؤدي إلى تعريض بل ظهور أخبار عن وجود بثوث حية لأنظمة CCTV تحتوي ظهورًا غير محمود لعوائل خليجية في التطبيقات المخترقة دون علمها، والأفضل هو الاتجاه إلى استخدام أنظمة موثوقة ومعتمدة من حيث استخدام تقنيات تشفير عالية الجودة».

وأضاف «أما عند الحاجة الضرورية لوجود كاميرا غير موثوقة في موقع معين، فالحل الوحيد هو فصلها عن الأنترنت تفاديًا لحدوث أي مشاكل من هذا القبيل».

ويفسر مصطلح «اتصال غير آمن» بأنه «يعني تعريض جميع الأجهزة المتصلة بالشبكة لخطر تسريب المعلومات أو سرقتها أو تدميرها، حيث يتغافل البعض عن تشفير الشبكة الخاصة به ما يؤدي ليس فقط إلى تعريض أنظمة المراقبة والمعلومات الشخصية إلى خطر الاستغلال والسرقة بل وحتى يضعهم تحت طائلة المساءلة القانونية في حال قام أي شخص بإساءة استخدام اتصال الشبكة الخاصة بهم عبر أنشطة مخالفة لقوانين السعودية».

ولفت إلى أنه «اعتمدت كثير من الجهات الحكومية والخاصة، بل وحتى الأفراد نظام عقود الصيانة على مستوى أنظمة المراقبة، وهناك إجراءات رسمية متبعة تتمثل بتوثيق هذه العقود عبر جهات أمنية متخصصة في متابعة تنفيذ عمليات الصيانة وجودتها، لكن ظهرت قبل فترة حوادث نادرة في بعض الدول الشقيقة حيث قامت بعض العمالة بانتحال صفة فنيين صيانة لأنظمة المراقبة وقاموا بإيقاف التسجيل بالنظام دون علم الجهة المالكة للموقع، ونفذوا جريمة سرقة لأحد مستودعات التخزين، لذلك يتوجب التحقق من الفنيين، والتأكد من أنهم يتبعون الجهة المختصة المسؤولة عن الصيانة».

أسباب الاختراق

عن أسباب الاختراق، قال عباس «تنقسم أسباب الاختراق إلى جانبين، الجانب التقني ويمكن التغلب على التحديات المرافقة له عبر وضع خطة GRC (Governance, Risk, Compliance) حوكمة ودراسة التهديدات، والتأكد من امتثال جميع الأجهزة والأنظمة والمستخدمين للسياسات المعتمدة، وهناك الجانب البشري وبإمكاننا التغلب على جميع التحديات في هذا الجانب عبر رفع مستوى الوعي في مجال أمن المعلومات لجميع فئات المجتمع حيث أن لا أحد منا آمن من التعرض لأي مشكلة في أمن المعلومات، وقد يجد أحدنا نفسه فجأة في أحد الجانبين (ضحية/متهم) ودون سابق معرفة حيث أن القاعدة العامة تقول بكل وضوح: إن الجهل لا يعفي من المساءلة القانونية».

أبرز سلبيات كاميرات المراقبة

ـ كل ما تسجله من أنشطة شخصية قد يُصبح مُخزنًا على الإنترنت إلى الأبد

ـ تهدد البيانات الشخصية بما فيها تحركات الأفراد وعلاقاتهم

ـ تبقى عرضة لاختراق أنظمتها

ـ توفر إمكانية سوء الاستخدام مثل الابتزاز أو التشهير

ـ تبقى عرضة لإمكانية التلاعب بها وتعطيلها

ـ يمكن أن يساء استخدامها من قبل بعض الأطفال لمراقبة الآخرين دون علمهم أو موافقتهم ما ينتهك الخصوصية

ـ قد توفر سبيلا للتنمر الإلكتروني ضدّ الآخرين

آثار نفسية واجتماعية لكاميرات المراقبة

ـ الشعور الدائم بالمراقبة والانتهاك الناتج عنها يزيد مستويات القلق ويرفع احتمال الإصابة بالاكتئاب

ـ قد تؤدي إلى الإحساس بتآكل الخصوصية داخل المنزل

ـ تقيد الحرية الشخصية وتخلق شعورا بعدم الاستقلالية والراحة

ـ يمكن لها أن تسبب خلافات بين أفراد الأسرة أو الجيران لانعدام الثقة

ـ تشعر الزوار بالقلق وعدم الارتياح

لتخفيف الآثار السلبية لكاميرات المراقبة

ـ أن تهدف لتعزيز الأمن والسلامة وليس للتطفل على حياة الأفراد أو انتهاك حقوقهم

ـ تجنب توجيهها نحو ممتلكات الغير مثل نافذة الجار أو باب بيته أو باحة منزله

ـ تجنب انتهاك حقوق الجيران وتسجيل المحادثات دون موافقاتهم

ـ إعلام الزوار بوجود كاميرات مراقبة في المكان

ـ تحديد نطاق المراقبة بما يتوافق مع القوانين

ـ تعزيز الوعي والتثقيف حول الاستخدام المسؤول لكاميرات المراقبة