كثيرًا ما يُستخدم الأبناء كورقة ضغط في النزاع، في محاولة من أحد الوالدين لإيذاء الآخر أو إثبات الانتصار عليه. في مثل هذه الحالات، لا يعود الطفل كائنًا مستقلًا له حقوقه ومشاعره، بل يصبح وسيلة لتصفية الحسابات، وهنا تتجلى الكارثة الأخلاقية بكل أبعادها.
صحيح أن القانون يحمي الطرفين من حيث الحقوق المالية والاعتبارية، ويوفر للطفل غطاءً قانونيًا فيما يخص الحضانة والتنشئة، إلا أن المشكلة الحقيقية تبدأ حيث ينتهي القانون: في مساحة الضمير، وفي عمق الثقافة المجتمعية والفردية.
عندما يستخدم أحد الوالدين أساليب قهرية لزرع الكراهية في نفوس الأبناء تجاه الطرف الآخر، أو يحرمهم من التواصل الأسري بدافع الانتقام، فإن ذلك يعد انتهاكًا صارخًا لأخلاقيات الوالدية، وخرقًا فاضحًا لحقوق الطفل التي يجب أن تكون مصونة من أي عبث نفسي أو عاطفي.
القانون لا يزرع القيم، ولا يخلق ضميرًا حيًا. الثقافة المجتمعية، والتربية الأخلاقية، والخطاب الديني والاجتماعي، هي ما يشكل البوصلة الأخلاقية للفرد في مثل هذه المواقف. وإذا غابت هذه القيم، يصبح الطفل الضحية الصامتة لصراع لا شأن له به.
الوالدية قيمة عليا يجب أن يتحملها المرء قبل أن يتخذ قرار الإنجاب. ما ذنب الأطفال في صراعات نفسية بين الزوجين بعد الانفصال؟ أين المسؤولية الأخلاقية التي أمرنا بها الدين؟ كيف يجرؤ أحد الوالدين على ابتزاز الطرف الآخر عن طريق الضرر بالأبناء من أجل انتصار شخصي أو حياتي؟
عندما يحدث مثل هذا الانتهاك لحقوق الطفل دون أي وقفة جادة من أهالي الزوجين، يدلنا على وجود خلل أخلاقي كبير في هذا الجانب داخل الثقافة.
المؤسف أن كثيرًا من الأسر والعائلات يقفون خلف أبنائهم أو بناتهم في معارك الانفصال، دون أدنى اعتبار لتأثير ذلك في الأطفال. بل وقد يشاركون في ممارسة الضغوط العاطفية والنفسية من خلال الأبناء، من أجل ما يُسمى بـ«الانتصار المعنوي»، في تجاهل تام لمسؤوليتهم الأخلاقية كعائلة تجاه حماية الطفل.
ولا يمكننا هنا إغفال أن الخطاب الديني السابق قد أسهم ــ بشكل غير مباشر ــ في هذا الخلل، حين ركز على حقوق الوالدين بصورة مفصلة مبالغ فيها، في مقابل صمت ملحوظ عن حقوق الطفل. هذا التفاوت في الخطاب خلق ثقافة تتسامح مع الأذى العاطفي الذي يتعرض له الأبناء، ما دام صادرًا من «والد أو والدة» لهما حقوق شبه مطلقة في المخيال الاجتماعي والديني.
حتى في التوعية الزوجية، نجد التركيز دائمًا على تحسين العلاقة بين الزوجين، بينما تغيب ــ أو تتضاءل ــ الإشارة إلى حقوق الطفل، وأخلاقيات التربية، ومسؤوليات الوالدية ما بعد الطلاق. وكأن الإنجاب قرار عابر لا يستوجب وعيًا عميقًا بمآلاته الأخلاقية.
حماية الأطفال من سيكولوجية النزاع لا تكون بحكم قضائي، بل بثقافة مجتمعية تجرّم استخدام الأبناء في الخلافات، وتغرس في الوالدين وذويهم قيمة «الرحمة الأسرية» كأصل لا يُساوم عليه.
الزوجان بالغان مسؤولان عن قراراتهما، لكن الطفل لا يملك دفاعًا ذاتيًا ضد الأذى النفسي. ولهذا، يجب أن تُقدَّم حقوق الطفل على حقوق الوالدين عند الانفصال، وأن يحاسب المجتمع قبل القانون كل والدٍ أو والدةٍ خانوا الأمانة الأخلاقية تجاه أبنائهم.
بناء مجتمعات سليمة لا يبدأ من العقود أو المحاكم، بل من وعي أخلاقي راسخ يضع كرامة الطفل وسلامته النفسية فوق كل اعتبارات الانتقام، والاعتزاز الزائف، والانتصارات المؤقتة.