حين تحصل يا عزيزي القارئ على وظيفة توفر مصدر دخل لك ولأسرتك الكريمة في المستقبل، من هنا ستكتسب قيمة اقتصادية جديدة، فبداية الوظيفة هي بداية لعلاقتك الشائكة مع محصل القطة، بدايتك مع الوظيفة تعني أنك أصبحت هدفا لمحصل القطة الذي ستصادفه في مقر الوظيفة وفي اجتماعات العائلة وفي استراحة الأصدقاء، فأنت أصبحت يا عزيزي القارئ ذا قيمة اقتصادية لأنك صرت قادرا على تقليص «تكاليف القطة» وتساهم اجتماعيا في تخفيض تكاليف العشاء والضيافة والفطور الصباحي، وتشارك في حفلات عيد الميلاد وحفلات التخرج وتوديع العزوبية، وقد يصادف أن تشارك في تكاليف تكريم وضيافة أشخاص أنت لا تعرفهم. فأنت من اليوم وصاعدا مجرد عدد للقسمة.

وكي نكون منصفين مع شخصية «محصل القطة» فهو ليس شخصية انتهازية على الدوام، لأنه أحيانا يؤمن بمبدأ المساواة والعدل، ويبحث عن أحدث النظريات الإحصائية والقوانين الاقتصادية التي تكفل العدالة بين أفراد المجتمع، وإن كان محصل القطة إفرازا من إفرازات الرأسمالية المتوحشة وهيمنة ثقافة الأسواق الاستهلاكية، لكنه يملك حسا أخلاقيا يجعله يراعي العدل بين المشاركين في القطة. فقانون المتوسط الحسابي الذي يوجه سلوك محصل القطة لم يعد منصفا، وإجمالي التكاليف مقسوما على أفراد المجموعة ليس قانونا عادلا بالضرورة، ولأن محصل القطة شخصية اقتصادية بامتياز ومدقق مالي محترف فقد قام مؤخرا بوضع تعديلات محورية في قانون المتوسط الحسابي السائد في تحصيل القطة، وأضاف له مفهوما رياضيا شهيرا يستخدم في العمليات الإحصائية الدقيقة والنظريات الاقتصادية المتعلقة بتقييم الأرباح ويعرف بقانون الانحراف المعياري (Standard Deviation) لتحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة والمساواة في علاقاتنا الإنسانية مدفوعة الأجر.

ويستخدم مفهوم الانحراف المعياري في الإحصاء لقياس مدى تباعد أو تقارب القيم عن المتوسط الحسابي، وهذا القانون الإحصائي الذي لا يستغنى عنه في علم الاقتصاد يستخدمه محصل القطة لقياس مدى تفاوت عدد أفراد الأسرة وتوزيع تكاليف القطة بناءً عليه، لضمان تحقيق عدالة أكبر. فأسرة مكونة من شخصين تدفع مثل ما تدفعه أسرة مكونة من 10 أشخاص، أي أن توزيع القطة بالتساوي بين الأسر المشاركة قد يكون ظالما، وهذا أمر لا يرضاه محصل القطة بما يحمله من حس أخلاقي رفيع.


وكما أشرنا سابقا أن محصل القطة يحمل كفاءة عالية في التدقيق المالي وحساب التكاليف بدقة متناهية، وقانون اقتصادي كالانحراف المعياري لا يخفى عليه، ويرى ضرورة توظيفه في العلاقة الإنسانية ليساعده على فهم مدى التفاوت في عدد أفراد الأسر وتعديل المساهمة المالية بناء على هذا التفاوت؛ بمعنى أنه يأخذ بعين الاعتبار العبء المتوقع على كل أسرة حسب عدد أفرادها ليخلق شعورا بالعدالة، ويقلل من حالات التذمر الحاصلة بين المساهمين.

محصل القطة أصبح يستخدم أساليب اقتصادية لإدارة القطة بطريقة أكثر صرامة وتنظيما، وأصبح يستعمل نماذج وأدوات ذات طابع مؤسسي لفرض نظام محاسبة صارم على الأفراد، فهو يقدم تسعيرة مبدئية للاجتماعات العائلية حسب عدد أفراد الأسرة والقدرة المالية مرفقا بتقارير مالية لخلق ضغط معنوي وتغليفه بمظهر المهنية والشفافية يضاف لها إعداد نموذج لموازنة سنوية أو شهرية لكل المناسبات المتوقعة (أعياد، عزائم، حفلات تخرج، مناسبات عيد ميلاد، كعكة توديع العزوبية) ووضع تسعيرة تقريبية وتقسيمها على الأفراد كمساهمات ثابتة موزعة على أشهر السنة وتدفع بانتظام كالقروض الشخصية.

في الختام، محصل القطة ليس عدوا بل ضحية لعصر تسللت فيه مفاهيم السوق إلى موائد العائلة ولقاءات الأحبة وتحولنا من الكرم العفوي إلى المحاسبة الدقيقة، من الاجتماعات البسيطة إلى الاجتماعات المجدولة والممولة التي تدار كما تدار الشركات. ظاهرة محصل القطة تجسيد لتحول اجتماعي أعمق في عصر أصبحت فيه العلاقات مشروطة، والكرم ميزانية موزعة على الجميع. وبالتالي من الضروري فهم هذه الظاهرة وتفكيكها لإعادة الحيوية لعلاقاتنا الاجتماعية. ففي السابق كان الكرم سلوكا فرديا غير مشروط، أما اليوم فالجميع يريد خدمات عالية الجودة ويريد توزيعا عادلا للأعباء المترتبة، ومن هنا يبادر محصل القطة للعب الدور الذي يخجل الآخرون من فعله، ولأنه قد يقابل بعدم الالتزام والتهرب فيضطر للضغط والتلميح والتشهير أحيانا لإنقاذ اللقاء الإنساني من الوقوع في فخ التعثر المالي