وبينما أشرفت إسبانيا على الإفادة من القناعة بكروية الأرض فوفقت في اكتشاف العالم الجديد، فإن البرتغاليين الذين يطلون على سواحل الأطلسي على امتداد كبير، والذين لم يعودوا يرون فيه بحر ظلمات ومخاوف أسطورية، شرعوا في التوجه جنوباً إلى الساحل الأفريقي الغربي قاصدين أمراً أعظم من ذلك، ألا وهو الحصول على تجارة الهند والشرق وكف أيدي المسلمين عن طرق التجارة العالمية في بحار الشرق.

ومعروف جيداً أن بغداد سقطت سقطتها الفادحة بأيدي المغول في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي، وأن الحروب الصليبية التي لم تنتهِ إلا بانسحاب آخر الصليبيين من طرابلس على الساحل السوري قبيل ختام القرن الـ14 معروف أن تلك الكوارث المنهكة قد أنضبت موارد العالم الإسلامي، فضلاً عما كان يعانيه من تمزق لا سيما بعد حركات التمرد المتوالية، بدءاً بحركة الخوارج فالزنج فالقرامطة في منطقة الخليج، وهذا يقودنا إلى رؤية الأثر الكبير لحقيقة كبرى ثانية من الحقائق المؤثرة في هذه المنطقة الحساسة.

لقد اختفت الصور الزاهية للتجارة الزاهرة الرتيبة عبر موانئ العراق على الخليج وامتداداً إلى أبعد بلاد شرق الأقصى وإفريقية بضعف الدولة المركزية في بغداد وانبعاث الصراع المذهبي والعرقي بين عناصر تلك الدولة العظمى. وسنرى أن الحياة على مياه الخليج تتحول إلى جحيم حين تفقد المنطقة ذلك السلام الحقيقي الطويل الأمد الذي تستطيع فرضه قوة عظمى سواء في سواحل الخليج أو من الخارج... ويتحدث الفردوسي في «نزهة المشتاق» في وقت لاحق عن المناطق المخوفة شبه الخالية من السكان في معظم سواحل عمان وقطر، ومن فقدان الأمن في هذه المناطق. وكثرة الاعتداء على السفن البريئة المسافرة للتجارة هناك.


الروايات العربية القليلة، وهذا أمر طبيعي دائماً في المعسكر المنهزم، تشعرك بأن العرب أخذوا على غرة بغدر البرتغاليين، وأنهم كانوا يتعاملون معهم في البحر بروح من الود والمعاونة، وأن بحاراً عربياً مشهوراً وهو أحمد بن ماجد هو من دل البرتغاليين على طريق الهند. وأيما كان الحال فلم يمض على وصول البرتغاليين سنوات حتى وجد العرب أنفسهم في مسقط يتعرضون لغزوة بحرية على مدينتهم لم يكونوا يتوقعونها، فهم استقبلوا البرتغاليين بالترحاب كزملاء بحر بمدينة قلهات، ولكن سرعان ما انقض البرتغاليون على مسقط مرتكبين فيها أفدح الجرائم، ومثلوا بالأسرى القلائل الذين أخذوهم تم تقدموا إلى صحار التي استسلمت لهم بعدما سمعت بما أحاق بأهالي مسقط من خسف وشدائد، ولكن خور رفضت ذلك النهج السخيف وقاومت الغزاة ببسالة.

وهكذا وجد الحاكم العربي الذي يسمونه الشيخ سيف الدين نفسه معزولاً في هرمز التي كان يحكم منها ساحل عمان، أن مدينة هرمز التي لا تمثل في واقعنا الراهن إلا شكل قرية صغيرة فوق جزيرة خالية من المياه العذبة تمر بها السفن إلى مرفأ بندر عباس غير ملقية لها كبير اهتمام كانت ذات يوم تتمتع بشهرة أسطورية وقد كانت هرمز الأصلية مبنية على الجانب الإيراني المتاخم لجزيرة هرمز الحالية.

كان شيخ هرمز قبل مجيء البرتغاليين يبسط نفوذه على البحرين فقد كانت أرباحه من اللؤلؤ من جراء ذلك شيئاً يخالط الخيال.

ومع أن البرتغاليين خرجوا باليد العليا إلا أن خسائرهم الدامية جعلتهم أحسن استعداداً فقد صمموا على البقاء منذ أول لحظة وقاموا بإنشاء قلعة برتغالية أحسنوا تحصينها، وقد قبل شيخ هرمز دفع مبلغ من الجزية وأعطى البرتغاليين امتيازات جمركية ما لبثوا أن حولوها إلى استبداد مطلق بجمارك الجزيرة، كما فرضوا عليه رفع شارة الصليب على قصره.

1975*

* كاتب بحريني «1939 - 2024».