من لي بمثل سيرك المدلل *** تمشي رويدًا وتجي في الأول
لقد ثبتت الوزارة على منهاجها الوسطي المعتدل، لا تداهن في دين الله ولا تخشى في الله لومة لائم، لا تسهم في اللغط، ولا توقع في الحيرة، لا تصدر بيانًا اليوم وتحذفه غدًا، وكانت منهمكة بتحقيق الإنجاز لخدمة الإسلام والمسلمين لا الحديث عنه، فعملت على نشر العلم الشرعي، وإقامة الحلقات العلمية، وضبطت المنابر.
وقريبًا افتتحت مسابقة الملك عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم على صعيد عالمي بحضور 128 دولة للعام السابع على التوالي، ولم تنس قضايا العرب والمسلمين من أن تكون حاضرة في المنابر كالدعاء لغزة في خطب الجمعة، من دون جموح وشطط كأهل الغلو ممن تراهم إن تكلموا في قضية زعموا الانتصار لها حتى جعلوا سهامهم موجهة إلى أهل العروبة والإسلام، فلا للعدو كسروا، ولا للإسلام نصروا.
لقد عملت الوزارة دون جعجعة لا ترى طحينها، بل بإنجاز يتلوه إنجاز، وبرنامج يلاحق آخر، وكان برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة قد خصص جزء كبير منه لذوي شهداء فلسطين، وهو التفات من الوزارة إلى الجانب التنفيذي، لا الاكتفاء بالشعارات غير المنتجة، وجلد الذات، وإظهار التوجع، دون تقديم شيء للمظلومين، إن ما تقوم به الوزارة اليوم يمثل نموذجًا للعمل المؤسساتي عالي المستوى، برسالة همها خدمة الإسلام، لا خدمة مشروع حزبي ضيق، يدفع ثمنه الشباب، ثم أجيال في التعليم، والأهم والأخطر صورة مشوهة عن الإسلام، في أذهان مسلمين ممن صدقوا ما يقال لهم من مقالات لا علاقة لها بالدين، لجهل القائل والسامع، ويشوهون كذلك صورة الإسلام في أذهان غير المسلمين، وهو من الصد عن سبيل الله.
ويمكن لأي معايش أن يعرف مقدار الفوضى التي وصلت إلى المنابر من قبل أن تحسم السعودية بفضل الله هذا الملف، إذ يستذكر حديث المتطرفين الذي غسل أدمغة كثير من الشباب حينها، حين كانوا يعدون المصائب على المسلمين منحًا يفخرون بها، وبعضهم يجعلها من البشائر، وآخرون يتحدثون كأنهم اطلعوا على الغيب، فيزعمون أن الملائكة تنزل في المنطقة الفلانية، أو أن شابًا رأى رؤيا حق بادعائهم فيحملونها من التأويل ما لم ينزل الله به سلطانًا عليهم، كما حدث مع «جماعة جهيمان»، فأسالوا الدم الحرام في البيت الحرام، في فوضى شوهت عقول كثيرين، وأفقدتهم الوصول إلى الدين الحق بنقائه، وصفائه بلا إفراط ولا تفريط.
حتى إذا رأى المرء أي إتقان وعمل، وأي إفادة تلك التي تقوم بها الوزارة للمسلمين علم أنها تسير بخطوات واثقة تمضي في زرع بذور العلم الشرعي الذي أهمل حقه من دعاة الحزبيين، فكان بعضهم يهتم بأن يقرأ الطالب سيد قطب، أعظم من اهتمامه به إن أتقن القرآن، وفي ضبط الوعظ والفتيا، والخطبة، والدعاء، فترى في السعودية نموذجًا بناء للعمل المؤسساتي الذي يزاوج بين القدرة الاحترافية والمهارة على التنظيم وتنفيذ البرامج والمشاريع، وبين القدرة الشرعية للوزارة في تأصيل المسائل وتنزيلها على الوقائع.