وأكدت النيابة العامة في بيانها أن «النظام يمنح فرصة قانونية لكل من يسعى إلى تصحيح مساره، حيث نص نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية على حالتين تستوجبان الإعفاء من العقوبة، إذا بادر المتورط إلى الإبلاغ عن الجريمة قبل أن تعلم بها السلطات، وإذا أبلغ عنها بعد علم السلطات، شريطة أن يسهم بلاغه في ضبط بقية الجناة».
كما أوضحت النيابة أن «النظام يشمل أيضًا من يبادر بطلب العلاج الطوعي من الإدمان، حيث يتم التعامل معه بوصفه مريضًا يحتاج إلى رعاية صحية، لا مجرمًا يستحق العقوبة، وذلك تعزيزًا للنهج الإنساني في معالجة قضايا المخدرات».
وتأتي هذه المبادرة في إطار حملة توعوية تستهدف رفع الوعي المجتمعي بالأنظمة القانونية وتشجيع الأفراد على اتخاذ خطوة شجاعة نحو الإصلاح، مؤكدة أن المبادرة المبكرة تمنح فرصة جديدة للحياة وتجنب العواقب القانونية.
خطوة جريئة وإنسانية
يرى الأخصائي الاجتماعي فهد محيا أن «مبادرة النيابة العامة تشكل خطوة جريئة وإنسانية في التعامل مع قضايا المخدرات»، مشيرًا إلى أنها تعزز الوقاية أكثر من العقوبة.
وأوضح أن «المبادرة تعطي الأمل للمدمنين والمخطئين، وتحوّل المنظور من النظرة العقابية الصارمة إلى نهج يركز على العلاج وإعادة الدمج الاجتماعي. وهذا يعزز فرص التأهيل ويقلل من تكرار الجريمة».
من جهتها، أكدت الأخصائية الاجتماعية صالحة القحطاني أنه عندما يشعر الفرد أن المجتمع والدولة يدعمانه لطلب المساعدة دون خوف من العقاب، يزداد احتمال تجاوزه لإدمانه والعودة إلى الحياة الطبيعية المنتجة. وقالت «المبادرة تشجع أيضًا على الإبلاغ عن الجرائم، ما يسهم في حماية المجتمع».
فهم طبيعة الإدمان
من جانبه، أشار الباحث في سيكولوجية الإدمان الدكتور عبد الرزاق أمين إلى أن «المبادرة تعكس فهمًا علميًا لطبيعة الإدمان كمرض يحتاج إلى علاج، وليس مجرد سلوك إجرامي».
وأضاف أن «تقديم العلاج والإعفاء من العقوبة يشجع الأشخاص على المبادرة الطوعية قبل وقوع أضرار أكبر، وهو نموذج عالمي ناجح، وهذه المبادرة تمثل جسرًا بين القانون والعلاج النفسي والاجتماعي»، موضحًا أن «نجاحها يعتمد على نشر الوعي بين الفئات الأكثر عرضة للإدمان، وتوفير خدمات علاجية فعّالة وسرية».
ارتياح أسري
رأت عدد من الأسر التي أبدت ارتياحها لهذه المبادرة أنها تشكل فرصة حقيقية لإعادة الأبناء إلى المسار الصحيح دون مواجهة العقوبة القانونية.
وأكدت فاطمة العلي، وهي أم لشاب متعاطٍ سابق، أن «المبادرة منحتنا أملًا جديدًا، فهي تعطي فرصة للعلاج قبل أن يضيع الوقت، وتساعد الأسرة على دعم أبنائها دون شعور بالخوف من الملاحقة القانونية».
من جانبها، أكدت نورة الحربي أن «الإدمان ليس خيارًا، بل مرض يحتاج إلى علاج وفهم. والمبادرة تركز على الدعم بدلاً من العقاب المباشر، وهو ما يشعرنا بأن المجتمع يهتم بأبنائنا ويريد مساعدتهم على التعافي».
وأضافت «تعكس المبادرة نهجًا إنسانيًا متوازنًا بين القانون والعلاج، وتساهم في تخفيف الضغوط النفسية علي الأسر، وعلى الأبناء، مع تعزيز فرص النجاح في إعادة دمجهم في المجتمع بعد العلاج».
الجانب النفسي
يجزم أخصائيون نفسيون أن المبادرة تسهم بشكل كبير في العلاج النفسي والاجتماعي للمدمنين، لأنها تمنحهم شعورًا بالأمان وتحفزهم على طلب المساعدة قبل تفاقم المشكلة.
ويقول الأخصائي النفسي الدكتور أحمد فضل إن «الإدمان مرض نفسي وسلوكي يحتاج إلى تدخل مبكر. والمبادرة تشجع المدمنين على مواجهة المشكلة، وطلب العلاج دون خوف من العقوبة، ما يزيد من فرص نجاح العلاج وتحقيق التعافي الكامل».
وتابع «الشعور بالخوف من العقوبة غالبًا ما يدفع الشخص إلى الإنكار أو الإخفاء. وعندما يشعر الفرد بأن الدولة تدعمه للعلاج، يتحسن الدافع الذاتي للتغيير، وتقل احتمالية الانتكاس بعد التعافي من الناحية النفسية، والمبادرة تعزز مفهوم المسؤولية الشخصية، والتحفيز الداخلي للتغيير، وهو أهم عامل في نجاح أي برنامج علاجي للمدمنين».
وأكد «يشير المتخصصون إلى أن الجانب النفسي للمبادرة حاسم، فالتشجيع على المبادرة الطوعية يقلل من الضغوط النفسية ويزيد من احتمالية الالتزام بالعلاج، مما يساهم في إعادة دمج المتعافين في المجتمع بشكل أفضل».