لا يوجد دليل مادي مباشر أو مخطوطة قديمة يؤكد أنه مؤلف كتاب «العناصر» وفي غالب الظن أن هذا الكتاب مجرد تنظيم وتجميع لمعارف متراكمة سبقت زمنه وشاركت فيها شعوب وثقافات عديدة، غير الثقافة اليونانية، ومن الغريب أن يقدم فرع كبير في علم الرياضيات باسم «إقليدس» في مدارس وجامعات عربية دون توضيح أن هذه النسبة غير دقيقة وغير موثقة ماديًا، وأنها في الأصل نتاج تراكمي مشترك لحضارات مختلفة. فالمشكلة لا تتوقف فقط عند تشويه الحقائق التاريخية بل يمتد إلى تشويه الوعي الذاتي لطلاب المدارس ويؤثر سلبًا في رؤية الطالب لنفسه وثقافته وينتج شعورًا بالاغتراب الثقافي ويضعف انتماء الطالب لتراثه الفكري والحضاري ويرسخ شعوره بالدونية الثقافية وبأنه ينتمي لأمة أقل ذكاءً وأقل عقلانية، وأن التراث الغربي أكثر قدرة على الاكتشاف.
وما يثير الاستغراب أن تسمية فرع كبير من فروع الهندسة الرياضية باسم «الهندسة الإقليدية» يتبناه أساتذة ومعلمون أصحاب خبرة طويلة سواء في مجال التعليم الجامعي أو التعليم في مراحل التعليم الأولي دون مناقشة أصل التسمية ومصدرها مما يعني أن الأستاذ نفسه لا يؤمن بمفهوم النقد التحليلي أو التساؤل العلمي وهما أساس أي تعليم حقيقي.
كيف نُدرس كتابا قد يكون ثمرة جهود مشتركة لشعوب ومجتمعات متعددة وننسبها لشخص يوناني منفرد ذا تاريخ غامض، ويصبح ذلك من المسلمات العلمية التي لا يعتريها الشك.
من أبسط حقوق الطالب أن تقدم له المعرفة خالية من أي تحيزات عرقية أو ثقافية، ومن حقه أن يعرف من أين جاءت هذه المعرفة ومن أسهم في جمعها وما سياقاتها التاريخية.
وغياب مثل هذه الأسئلة المشروعة يلقي بظلاله على مسألة في غاية الأهمية، وهي فقدان الانتماء المعرفي بسبب تدريس التاريخ العلمي وكأنه سلسلة اكتشافات غربية خالصة وليس نتاجًا تراكميًا مشتركًا بين حضارات العالم، وبالتالي فإن الطالب لا يرى في الآخر (الغربي) شريكًا في بناء الحضارة بل مالكًا لها ومستحوذًا عليها.
هناك ضرورة ملحة لإعادة صياغة كتب الرياضيات والعلوم بحيث تتضمن إشارات واضحة إلى المساهمات الحضارية المتنوعة (البابلية والهندية والمصرية والإسلامية) مع توجيه النقد على العلوم المنسوبة لشخصيات ذات تاريخ أحادي كالهندسة الإقليدية وقوانين نيوتن والنظرية النسبية لآينشتاين ونظرية الطفو لأرخميدس ونظرية فيثاغورس. فمن الخطأ الجسيم تقديم العبقرية على أنها لحظة فردية خارقة أو وحي سماوي هبط على علماء اليونان في لحظات تأمل.