فيما يشبه التأكيد على أهمية الرعاية النفسية في البيئة المدرسية، كشف تقرير المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية (الصحة النفسية في البيئة المدرسية)، أن دراسات أظهرت أن الطلاب الذين يحظون بترحيب شخصي وأنشطة اندماجية مبكرة، ترتفع لديهم معدلات التحصيل الأكاديمي بأكثر من 40% خلال العامين اللاحقين، كما تقل لديهم احتمالية التغيب أو الانسحاب بـ3 مرات أقل مقارنة بغيرهم من الناحية العصبية.

وبين التقرير أن هذه التفاعلات الإيجابية المبكرة تنشط مناطق رئيسة في الدماغ، مثل الحُصين المسؤول عن الذاكرة العاطفية، والقشرة أمام الجبهية المعنية بالتنظيم الانفعالي والتخطيط، مما يعزز قدرة الطالب على التعلم، وبناء العلاقات، والتكيف مع الضغوط الجديدة.

ويعد المعلم الركن المؤثر في توفير بيئة تعليمية أكثر دعما ووقاية للطلاب من المشكلات النفسية، بحكم تواصله اليومي المباشر معهم، واعتباره الأكثر قدرة على ملاحظة التغيرات الطارئة في سلوكهم وأدائهم، وقد أظهرت دراسات بريطانية أن أول من يلجأ إليه الأهل عند القلق بشأن صحة طفلهم النفسية، غالبا ما يكون معلم الصف، مما يعكس الثقة والدور المحوري له في اكتشاف المشكلات مبكرا وعلاجها.


ارتباط وثيق

ترتبط الصحة النفسية الجيدة، ارتباطا وثيقيا بالأداء الأكاديمي، فالطلاب الذين يتمتعون بصحة نفسية متوازنة يعدون أكثر قدرة على التركيز، وحل المشكلات، والمشاركة في الأنشطة الصفية، فيما تؤدي الضغوط النفسية مثل القلق والاكتئاب إلى انخفاض مستوى التحصيل، وزيادة الغياب عن المدرسة، وصعوبة إكمال الواجبات.

وتشير دراسات، إلى أن التدخلات المدرسية التي تدمج الدعم النفسي ضمن العملية التعليمية، ترفع معدلات التحصيل، وتقلل من معدلات الرسوب، والانقطاع عن الدراسة، إلى جانب أن تعزيز المهارات النفسية والاجتماعية في تهيئة الطلاب، يساعد على تجاوز التحديات بكل ثقة.

8 أدوار

أشارت دراسة حديثة إلى أن زيادة فرص التدريب المتاحة في المدرسة، ترتبط مباشرة بارتفاع شعور المعلمين بالقدرة على الاضطلاع بدور داعم في الصحة النفسية، فالمعلم المزود بالمعرفة والأدوات، يصبح شريكا فعالا للموجه الطلابي في رعاية الطلاب، ولا يقتصر دوره على التعليم، بل يتسع ذلك ليشمل التربية النفسية والاجتماعية.

وتتمثل أدوار المعلم المتعلقة برعاية صحة الطلاب النفسية في رصد حالات الطلاب، والتعرف على الإشارات مثل الانعزال، أو التقلبات المزاجية الحادة، أو الانخفاض المفاجئ في التحصيل الدراسي أو المشاركة الصفية، وفتح خطوط تواصل داعمة مع الطالب وأسرته والموجه الطلابي، وتوفير بيئة صفية داعمة، وتعزيز العلاقات الإيجابية في الصف، وبناء مناخ من الاحترام والثقة، وتشجيع الثقافة الداعمة في الصف، من خلال مناقشة موضوعات الصحة النفسية، والتعاون الوثيق مع الموجه الطلابي، وتطبيق التوصيات وتنفيذ الاستراتيجيات المقدمة منه.

عوامل مؤثرة وتوصيات

تؤثر جملة عوامل في الصحة النفسية للطلاب، ومنها ضغوط الاختبارات والتحصيل الدراسي، والعلاقات مع الأقران والمعلمين، والتغيرات الجسدية والنفسية في مراحل النمو، وهي تتداخل لتؤثر في التجربة التعليمية والصحة النفسية للطلاب.

ويوصى لتجاوزها بدمج الصحة النفسية في السياسات المدرسية، لتكون جزءا من الخطة التعليمية، والتدريب المستمر للمعلمين في التعرف على مؤشرات الضيق النفسي، وتطبيق إستراتيجيات الدعم داخل الصف، وتنفيذ برامج تعزيز المهارات الاجتماعية والعاطفية لجميع الطلاب، وإتاحة خدمات الإرشاد النفسي المدرسي، وتسهيل الوصول إليها بسرية واحترام، وتعزيز الشراكة مع الأسرة والمجتمع لضمان استمرارية الدعم النفسي خارج حدود المدرسة.

مشكلات شائعة

تواجه المدارس في مختلف البيئات التعليمية، مجموعة من التحديات النفسية والسلوكية التي تؤثر في تحصيل الطلاب ورفاهيتهم، ومنها بحسب تقرير المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية:

1- اضطراب القلق الاجتماعي:

يعد اضطراب القلق الاجتماعي من أكثر المشكلات شيوعا بين الطلاب، إذ إن معدلاته عالميا تصل بين 7% و13% من الأطفال والمراهقين.

2- اضطراب القلق العام:

تشير التقديرات إلى أن 5% من الطلاب قد يعانون من اضطراب القلق العام، الذي يتميز بقلق مفرط ومستمر، يصعب التحكم فيه، ويمتد ليؤثر على مجالات الحياة المختلفة في المدرسة.

3- التنمر المدرسي:

سواء كان التنمر لفظيا أو جسديا أو عبر الإنترنت، فهو مشكلة مزمنة في البيئات التعليمية، إذ تشير البيانات إلى أن نحو 1 من 3 طلاب يتعرض لشكل من أشكال التنمر سنويا، ولا يضر هذا السلوك فقط الضحايا بل ينعكس سلبًا على المناخ المدرسي بأكمله، مؤديًا إلى زيادة القلق والاكتئاب، وانخفاض الشعور بالأمان والانتماء.

4- مشاكل النوم لدى الطلاب:

أظهرت الدراسات أن ما بين 20% و30% من المراهقين يعانون من مشكلات نوم مزمنة مثل الأرق، أو اضطراب إيقاع النوم، وأن هذه المشاكل ترتبط مباشرة بانخفاض الانتباه والتركيز، وزيادة معدلات الغياب، والتأخر الصباحي، فضلا عن زيادة خطر المشكلات السلوكية والانفعالية.

5- العزلة الاجتماعية وانسحاب الطلاب:

أوضحت البيانات، أن مابين 5% و10% من الطلاب لديهم عزلة اجتماعية، مما قد يحد من فرص التعلم التعاوني، ويؤثر على النمو العاطفي والاجتماعي، وقد تكون العزلة الاجتماعية عرضة لمشكلات نفسية أعمق، أو نتيجة لعوامل بيئية مثل التنمر، أو ضعف المهارات الاجتماعية.

تعزيز الثقة

أوضح المركز أن الدراسات تؤكد أن ارتفاع مستوى الشعور بالانتماء إلى المدرسة، يرتبط بانخفاض المشكلات النفسية لدى الشباب، وأن علاقة الطالب الإيجابية مع معلميه، وإدراكه أنه مرئي ومساند من قبلهم، تعزز ثقته بنفسه وانتمائه، مما ينعكس إيجابًا على صحته النفسية وسلوكه، ومن هذا المنطلق، ينبغي للمعلمين تهيئة مناخ صفي يسوده الاحترام والدعم المتبادل، ليشعر كل طالب بأنه مقبول وآمن للتعبير عن نفسه دون خوف من النبذ أو السخرية.