«ندمانة على الاسم».
«أختي خذلتني بعد ما سميت بنتي على اسمها».
«رفض يكفلني مع أني سميت ابني على اسمه».
«ما هو كفو ما وقف معاي بأزمتي».
«الاسم واحد لكن ولا صفة وحدة أخذتها ممن تسميت عليه».
عبارات ترددت بين حين وآخر، في محيط هذه الأسرة أو تلك، خصوصا في مجتمع يكرم أبناءه بعضهم بعضا بإطلاق أحدهم مسمى أحد ممن يعزون عليه على أحد أبنائه أو بناته.
وتعكس هذه العبارات حالات من الشعور بالإحباط والخذلان، أو تعبر أحيانا عن خلافات عميقة تتبع الود الذي يفترض أنه كان سائدا وأدى إلى تسمية مولود لشخص على اسم شخص آخر عزيز عليه أو قريب منه.
والتسمية على مسمى أحد الأقارب أو الأصدقاء أمر شائع لدى كثير من الأسر، لكنه يحمل جانبين، أحدهما وهو الغالب إيجابي، وثانيهما وهو الأقل والأندر سلبي.
وشهدت منصة «أبشر»، وهي منصة إلكترونية تابعة لوزارة الداخلية، تقدم خدمات رقمية متكاملة للمواطنين والمقيمين والزوار، بما فيها الخدمات المتعلقة بالأحوال المدنية حالات عدة لتغيير الأسماء، وذلك على إثر خلافات عائلية أحيانا، وخذلان في بعض المواقف في حالات أخرى، أو نتيجة خلافات على الميراث بين الورثة في بعض الأحايين، ناهيك عن المقارنات السلبية بين حامل الاسم الجديد وصاحب الاسم الذي منح الاسم تقديرا له.
كما شهدت المنصة كذلك تغيير البعض لأسمائهم لرغبتهم في أسماء أكثر سهولة في النطق أحيانا، أو تبدو في نظرهم عصرية أكثر، أو تناسب عملهم وحضورهم الاجتماعي، بما لا يجعل كل تغيير في الاسم تعبيرا في النهاية عن خلاف أو خذلان أو خصام مع أحد.
ندم بعد إصرار
بأسف تتحدث أم سلمان، وتقول «حين أنجبت طفلي الأول، كنت مصرّة على تسميته على اسم أخي، لكنني الآن نادمة وآسفة، وأتمنى لو أنني لم أفعل».
وتتابع «اشتد الخلاف بيني وبين زوجي على تسمية المولود، على الأخص أنه الأول لنا، لكنني لم أتنازل عن تسميته على اسم أخي الذي خذلني في عدة مواقف كانت تتطلب وقوفه إلى جانبي، وآخرها أنني طلبت منهُ كفالتي، لكنه رفض وبشدة، الأمر الذي جعلني أتفق مع زوجي على تغيير اسم ابني وهو في التاسعة من عمره».
وأوضحت «الأمر لم يكن سهلا، لا سيما أن الطفل احتاج فترة من الزمن كي يعتاد على اسمه الجديد».
مقارنات وإحراج
يعلل فلاح تغييره لاسمه بأنه سمي على اسم جده، ويقول «المشكلة أن الجميع دأبوا على المقارنة بيني وبين جدي فيما يتعلق بأي موقف».
وأضاف «يتردد كثيرا على مسامعي أنني لا أحمل من صفات جدي سوى الشبه بالاسم، وهذا ما يجعلني في حرج، على الأخص في المناسبات الاجتماعية، وكذلك اجتماعات العائلة، وكأنهم نسوا أو تناسوا أن الظروف الاجتماعية التي كان يعيشها جدي ليست هي نفسها التي نعيشها اليوم، وأنه من الطبيعي أن تكون ردة فعلي في ظلها مختلفة عن ردة فعل جدي الذي عاش في زمن مضى وفي ظل ظروف مختلفة».
لبس وتشابه
أما فواز، فيشير إلى أنه عدّل اسمه عبر منصة «أبشر» وكان السبب في ذلك أن والده وجميع أعمامه، وعددهم خمسة، أطلقوا جميعا على الابن الأكبر لكل منهم اسم والدهم أي جده، وقال «في كل محفل أو مناسبة يختلط الأمر نتيجة لتشابه الأسماء بيني وبين أبناء عمومتي».
تغيير للمراعاة
بعيدا عن قصص الخلافات، تشير خلود العنزي إلى أنها عمدت إلى تغيير اسمها، مرجعة السبب إلى رغبتها بأن تحمل اسما يسهل نطقه، ويتناسب مع عملها، ومع حضورها الاجتماعي.
أما تهاني، وهي طالبة جامعية، فتؤكد أنها غيرت سمها عبر منصة «أبشر» وذلك بسبب حرجها من اسمها القديم، وتضيف «اختار والدي تسميتي على اسم جدتي».
وتتابع «كثيرا ما كان الحرج يصاحبني حين اسمع اسمي من الآخرين، فقد كان اسما قديما ولا يتناسب مع هذا الوقت، خاصة أنه يحمل وصف المكان الذي ولدت به جدتي».
من جانبها استغربت فتاة أن والدتها غيرت اسمها الذي حملته لسنوات واستبدلته باسم آخر، وقالت «فوجئنا جميعا أن والدتي غيرت اسمها».
وتابعت «لم نعلم بالتغيير إلا حين شاهدنا الاسم في حالتها على «الواتساب».. جميعنا فوجئنا، ورأينا أن اسمها القديم يبدو مناسبا أكثر».
التحيز وأسباب أخرى
تعيد عميدة كلية العلوم التربوية والنفسية في جامعة الحكمة، المستشارة الأسرية الدكتورة هداية الله أحمد الشاش، تغيير الشخص لاسمه، أو تغيير الوالدين لاسم أحد أبنائهم إلى جملة من الأسباب، وقالت «في حالات عدة كانت الخلافات العائلية من أبرز الدوافع وراء رغبة بعض الأفراد في تغيير أسمائهم».
وشرحت «على سبيل المثال، غيّرت إحدى الفتيات اسمها لأنها حملت اسم عمتها، ومع تصاعد الخلافات داخل الأسرة أصبحت تشعر أن الاسم يربطها بصراع لا علاقة لها به. وفي حالة أخرى، غيرت عدد من البنات أسماءهن لأن أسماءهن ارتبطت بالجدّات، ومع مرور الوقت لم يعد الاسم يعكس هويتهن أو ذوقهن الشخصي».
وأكملت «حتى خلافات الإرث دخلت على الخط؛ إذ يرى بعضهم أن حمل اسم قريب معيّن قد يخلق حساسية أو شعورًا بالتحيّز في الأسرة، مما يدفع صاحب الاسم إلى محاولة تغييره حتى يكون بعيدًا عن هذا الإرث الاجتماعي».
محاولة ضبط الهوية
بينت الشاش أن «تغيير الاسم ليس قرارًا شكليًا. فكثيرون يصفونه بأنه محاولة لإعادة ضبط الهوية وسط بيئة عائلية مضطربة».
وأضافت «يشعر بعضهم أن التخلص من الاسم القديم هو خطوة رمزية للفصل عن الضغوط أو الخلافات، وبناء مساحة شخصية جديدة لا تتحكم فيها حساسيات الماضي. لكن في المقابل، قد يخلق التغيير ارتباكًا داخل العائلة أو بين المعارف، وقد يُفهم كموقف عدائي حتى لو لم يكن صاحبه يقصد ذلك. وفي بعض الحالات يفتح القرار باب مقارنة بين الأجيال، مما يفاقم خلافات سابقة بدل تهدئتها».
حلول وتوصيات
عن الحلول والتوصيات في مثل هذه الحالات، تشير الدكتورة الشاش «من المفيد التعامل مع مسألة الأسماء بوعي اجتماعي، وعدم تحميل الاسم فوق طاقته الرمزية».
وتابعت «الحل يبدأ من حوار أسري واعٍ يضمن أن اختيار الاسم لا يتحول إلى أداة ضغط أو تذكير بخلافات قديمة». واستدركت «كما أن احترام رغبة الفرد في اختيار اسم يعبر عنه يخفف كثيرا من الاحتكاكات».
وبينت أنه «في الحالات التي تتداخل فيها الخلافات العائلية المعقّدة، يُفضّل اللجوء إلى وسيط اجتماعي أو مستشار أسري قبل الوصول إلى قرار نهائي. والأهم أن المجتمع يتقبل فكرة أن تغيير الاسم ليس تمرّدًا بقدر ما هو بحث عن ذات أكثر استقلالًا واستقرارًا».
دوافع اجتماعية
من جانبها، ترى المتخصصة في علم الاجتماع باسمة الضويمر، أن «قرار تغيير الاسم يعود إلى مجموعة من الدوافع الاجتماعية والنفسية التي تتداخل في تشكيل الهوية الشخصية للفرد. فمن الناحية الاجتماعية، قد يدفع انتماء الشخص لبيئة جديدة، أو رغبته في مواكبة معايير مجتمعية معيّنة، إلى اختيار اسم يتوافق مع الصورة التي يريد الظهور بها أمام الآخرين. أما نفسيًا، فقد ينبع التغيير من حاجة داخلية للتجدد، أو للتخلّص من ارتباطات سلبية باسم قديم، أو لبناء هوية أكثر انسجامًا مع الذات وتطلعاتها المستقبلية».
تبعات الصراع العائلي
على صعيد متصل، أكدت المستشارة الأسرية مزينة السيد، أن تصاعد الخلافات داخل الأسرة والمجتمع أصبح له أثر مباشر على قرار بعض الأسر في تغيير أسماء أبنائها عبر منصة «أبشر».
وأوضحت أن «هذه الظاهرة لا تتعلق برغبة في تحسين الاسم فقط، بل غالبًا تعكس ضغوطًا نفسية واجتماعية يعيشها الكبار».
وأشارت إلى أن «بعض الأسر تغيّر أسماء أبنائها نتيجة خلافات عائلية ممتدة، أو نزاعات حول الإرث، أو صراعات اجتماعية، بهدف فتح صفحة جديدة بعيدًا عن أجواء التوتر». وشدّدت على أن «الأبناء أنفسهم ليس لهم ذنب في هذه الخلافات، وأن تغيير اسمهم قد يؤثر على شعورهم بالانتماء والهوية».
وأنهت بالقول إن «الحل الحقيقي يكمن في معالجة جذور الخلاف بالحوار والتفاهم داخل الأسرة أو المجتمع، وعدم تحميل الأبناء تبعات الصراعات العائلية، فالأسماء جزء أساسي من استقرار الطفل النفسي وبناء شخصيته».