جدة: الوطن

«لا يوجد في الحقيقة شيء اسمه فن، بل يوجد فنانون فحسب»، بهذه العبارة يفتتح إرنست غومبرتش مقدمة كتابه الذي رآه البعض بمثابة الموجه لأولئك الذي يشعرون بحاجة لتوجيه أولي في مجال الفن، فيما اعتبر نقاد كتاب «قصة الفن» موسوعة ومرجعًا مهمًا، حيث الصور والتفاصيل الدقيقة التي تقدم للقارئ دليلًا يمكن التعويل عليه لفهم الأعمال الفنية الفارقة بتسلسل زمني، مع مراعاة البعد الجغرافي.

قصة الفن (The story of art )‏ عبارة عن مسح لتاريخ الفن من العصور القديمة حتى العصر الحديث، من تأليف إرنست غومبريتش، نشر لأول مرة عام 1950.

شأن اللغة

الكتاب يطرح للقارئ تفاصيل مهمة عن حركة البشر مع الفن بدءًا بما قبل التاريخ والشعوب البدائية وحضارات أمريكا القديمة، ثم الحضارة المصرية وبلاد ما بين النهرين واليونان والرومان، ثم الحضارة الإسلامية، وفنون شعوب الصين وأوروبا وانتهاءً بأعمال النصف الأول من القرن العشرين. كما يدعم الكتاب كل عمل فني ورد فيه بالصور، مختارًا لذلك ما يعتبره أعمالاً فنية حقيقية. لقد أراد أن يكون اختياره مستندًا إلى قيمة العمل في عيون النقاد والجمهور، إضافة إلى رؤيته الشخصية.

يحمل الكتاب بين طياته مجموعة مميزة من الأعمال الفنية التي قدمها لنا أعظم الفنانين على مر التاريخ، مستعرضا مختلف المراحل الفنية منذ العصر البدائي الذي تبقى الأسئلة قائمة حوله، إذ الفن، شأنه شأن اللغة، من حيث افتقارنا لمعرفة كيفية نشأته، رغم الدلالات المادية التي بقيت شاهدة عليه كأبنية المعابد والمنازل والتماثيل أو حتى الرسومات والصور.

خطر نصف المعرفة

يقول غومبرتش «أن تعلم الفن لا ينقضى، فهناك أشياء جديدة دوماً على المرء أن يكتشفها، وأعمال الفن العظيمة تبدو مختلفة فى كل مرة نقف أمامها، تبدو غير قابلة للنضوب، ولا يمكن التنبؤ بها شأن البشر فى الواقع، إنها عالم مثير للمشاعر له قوانينه الخاصة ومغامراته الخاصة، لا أحد ينبغى أن يظن أنه يعرف كل شىء عنه، إذ لا أحد يعرف، وربما لا شىء أكثر أهمية من التأكد أنه حتى نستمتع بهذه الأعمال يجب أن يكون لنا عقل جديد مستعد لالتقاط كل إشارة، وللاستجابة لكل توافق مستتر».

ويدعو غومبرتش إلى إثارة النقاش حول تاريخ العمارة والنحت والرسم، ويتوقف طويلاً حيال ما سمّاه بخطر نصف المعرفة وخطر الادعاء «لأننا جميعاً عرضة للاستسلام لمثل هذه الإغراءات، ويمكن لكتاب كهذا أن ينميها، فما أبتغيه هو أن أساعد على فتح العيون لا على إطلاق الألسنة، إن الحديث الحاذق عن الفن ليس بالأمر البالغ الصعوبة، لأن الكلمات التى يستخدمها النقاد استعملت فى سياقات شتى عديدة، إذ فقدت دقتها. وأما النظر الى لوحة نظرة جديدة والمجازفة فى رحلة استكشاف فيها، فهما مهمة أصعب. بيد أنها مجزية أكثر بكثير أيضاً. ولا أحد يعلم ما يمكن أن يرجع به المرء إلى البيت من هذه الرحلة».

مملكة الجمال

ينتقل الكاتب من فن العصور البدائية إلى ما سماه فن الأبدية في مصر وبلاد الرافدين وكريت، مستشهدًا بأهرامات الجيزة والتماثيل والرسوم والرموز التي تشرح طقوساً روحية أو دينية كما تقدم في ذات الوقت نموذجًا على عظمة المعمار ودقة التصوير، علاوة على الحس الفني العالي.

ويتناول فنون اليونان من القرن السابع إلى القرن الخامس قبل الميلاد ويعرض صورًا مميزة لتماثيل وقطع وأوان تعكس الأسلوب الهندسي الدقيق، ثم يصف اليونان بمملكة الجمال حين يتطرق للعالم اليوناني من القرن الرابع قبل الميلاد إلى القرن الميلادي الأول أي عقب ما يدعى يقظة الفن الكبرى- وقد بدت الأعمال الفنية في هذا العصر أكثر تنوعًا وتعقيدًا من خلال الاهتمام بالتفاصيل بشكل أكبر.

الأسلوب القوطي

يستحضر غومبرتش فنون الشرق،في الفصل السابع مركزًا على الإسلام والصين. وبين كيف برع مبدعو الفن الإسلامي بخيالهم الرحب ومهاراتهم اليدوية الفائقة في الزخرفة الدقيقة «الأرابيسك»، مقدمًا أمثلة على ذلك من القصور الإسلامية، والرسوم اليدوية على السجاد، إضافةً إلى المنمنمات، ثم اتجه نحو الفنون الصينية وما فيها من تداخل مع الدين الذي أثر في ما أنجز من تماثيل ورسوم على الحرير والمحورات الخشبية.

ويستفيض الكاتب في فصول الكتاب اللاحقة في شرح وتفصيل الأعمال الفنية في أوروبا من القرن السادس إلى القرن الحادي عشر، مبرزًا ما له علاقة مع الكنيسة المجاهدة والكنيسة المنتصرة، ثم في القرن الثاني عشر الذي شهد بداية تطور الأسلوب القوطي في أوروبا.

فبعد أن كان معمار وروعة مباني الكاتدرائيات دليلًا على الازدهار أدى التطور المدني وتزايد عدد السكان النازحين للمدن إلى انتقال تلك الجماليات المعمارية إلى البلاطات والقصور.

منعطف مهم

في الفصول الأخيرة أشار الكاتب إلى أن «أي مكسب في الفن من ناحية معينة، قد يفضي أيضًا إلى خسارة من ناحية أخرى». هذا الأمر يترك عند القارئ تساؤلات قد يتوصل إلى أجوبتها مع بلوغه الصفحة الأخيرة من كتاب «قصة الفن»، حيث تناول الكاتب مسألة الانقطاع في التراث في كل من إنجلترا وأمريكا وفرنسا التي مهدت لدخول الفن في منعطف مهم عقب الثورة الفرنسية عام 1789 واستمرت حتى أوائل القرن التاسع عشر. وقد عزز الكاتب بياناته بصور لأبرز أعمال تلك المرحلة.

السير إرنست هانز جوزيف غومبريتش

(1909 – 2001)

كاتب ومؤرخ بريطاني الجنسية نمساوي المولد.

من كتبه:

- قصة الفن

- مختصر تاريخ العالم

أعمال

جامعة لندن

جامعة فيينا

الجوائز

جائزة جوته (1994)

الدكتوراة الفخرية من جامعة كمبلوتنسي بمدريد (1992)

جائزة مدينة فيينا للعلوم الإنسانية (1986)

جائزة بلزان (1985)

الوسام النمساوي للعلوم والفنون (1984)

جائزة إيراسموس (1975)