خالد العويجان

التداعيات حاضرة.. رائحة البارود تنتشر في الأزقة والميادين.. وحياة الناس معطلة.. والدولة على وشك الانهيار لأنها بلا رأس.. الاقتصاد مشلول والحلول السياسية غير متوفرة، والقضاء يغرق في ملف النزاع الكبير، والعنوان العريض مرفأ بيروت وتحقيقاته.. الحياة صعبة، ورغيف الخبز أغلى من قيمة الإنسان، والهاربون أكثر من الباقين.

لبنان محطة كبرى للبؤس والخذلان، ولا أحد يريد الإنصات لحامل ملفات الحلول، كان آخرها ما حمله ممثلو خمس دول على رأسها المملكة العربية السعودية، اجتمعوا في العاصمة الفرنسية باريس بحثًا عن حلول، خرج رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وكسر صمته، بعد أن استقبل ممثلي تلك الدول الخمس، قال: «إن عدم انتخاب رئيس سيرتب إعادة النظر بمجمل العلاقات مع لبنان»، وحديث الرجل يوحي أنه نقلاً عن تلك الدول.

ذهبوا من السرايا الحكومية في قلب بيروت إلى نبيه برين، لوضعه في صورة ما وصلوا إليه، لكن الواضح ألا أحد بيده الحل، ما لم يتخلى حزب الله عن تعنته في مواجهة العالم، قبل كسره كلمة الشارع والرأي العام في لبنان، وهذا يتضح من عدة أمور؛ أولها: إصراره على التمسك بسياسة المتصرف الأول والأخير في لبنان، من خلال إفشال انتخاب رئيس الجمهورية لعدة مرات، بينما يعتصم نائبان داخل القاعة العامة للبرلمان، كنايةً عن مطالبتهم بالتعجيل بانتخاب رئيس للجمهورية، وثانيها: هو عدم إلقاء بال لإعلان صندوق النقد الدولي في أبريل الماضي، حول تقديم مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار، شريطة الالتزام بإصلاحات، على رأسها توحيد أسعار صرف العملة.

ومقابل كل ذلك، ينتقد حسن نصر الله زعيم ميليشيا حزب الله من وصفهم بإشاعة أجواء اليأس في البلاد -دون أن يسميهم-، وهدفهم نشر مفهوم أن الأفق بات مسدودًا، ولا خيارات أمام الشعب اللبناني، سوى القبول بهذا الوضع، أو تجهيز الحقائب للهجرة.

ومعلوم أن هذا القدح «غير المُعلن»، تتجه سهامه نحو عدو اليوم، حليف الأمس، جبران باسيل زعيم التيار الوطني الحر، وصهر رئيس الجمهورية المنصرف ميشال عون، وأسباب الخلاف الذي ظهر على السطح، هو ما يعتبره جمهور نصر الله وقواعده السياسية والشعبية، تجاوزًا من قبل باسيل بحق قائد الحزب، حين قال ذات مرة «إن حزب الله لم يعد أهلاً للوعد الصادق».

وبهذا الحديث؛ يثبت أن صهر الرئيس السابق، قد نسف ما يسمى «اتفاق مار مخايل»، الذي وقع عليه حزب الله والتيار الوطني الحر عام 2006، وقضى بتطابق الرؤى بين الجانبين، منذ تلك الفترة، وحتى الانفلات الذي مارسه باسيل بحق شخص نصر الله، والذي اعتبره الحزب تمردًا رسميًا عليه وعلى زعيمه.

والعارف بتفاصيل السياسة اللبنانية لن يواجه علامات استفهام مما حدث، بقدر ما سيزيده ذلك إيمانًا بأن المصالح وصلت عند تقاطعات معينة، بعيدًا عن الشعارات التي كان يسوقها الحزب والتيار للمؤيدين في الشارع اللبناني، والتي كان الهدف منها الحشد والتأييد لصالح مواقف كان الجانبان يلتزمان بها، كسياسة النأي بالنفس تجاه الأزمة السورية، والسكوت عن مشاركة مقاتلين إلى جانب نظام بشار الأسد، بالإضافة إلى انحراف بوصلة الدولة اللبنانية عن محيطها العربي، لحساب انقيادها وراء سياسات الجمهورية الإيرانية.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فحزب الله مصابٌ بالارتباك، جراء استشعاره خسارة طرف مسيحي ذي قاعدة شعبية كبرى، كالتيار الوطني الحر، الذي عاش لسنوات تحت جناحه، وفي المقابل أيضًا، فمن الطبيعي أن يخشى التيار خسارة طرف محسوب على المسلمين في لبنان؛ لأن خصومات باسيل المتعددة، لم تُبقِ له ولا تذر من المقربين، أو الأصدقاء، أو ممن يمكن السير معهم وفق خطى سياسية، سواء من المسلمين السنة، أو الدروز، وحتى أجنحة مسيحية، وهذا يقودنا للنظر إلى صداماته المتكررة مع سليمان فرنجية زعيم تيار المردة المتكررة، لكنه ذلك ليس موضوعنا ولا قصتنا هذا اليوم.

وزعيم التيار الوطني الحر، يواجه بالمناسبة عدة ألغام، أبرزها أنه سيكون في موضع ابتزاز من حزب الله، باعتبار أنه –أي الحزب– هو الطرف السياسي الوحيد الذي لا يُمانع من إعادته إلى «حظيرته»، ولا سبيل له أكثر الانقياد والطاعة، لا سيما بعد خروج صهره من المشهد السياسي، بانقضاء ولايته الرئاسية -أعني ميشال عون-؛ ما يجعله سهل المنال في متناول ميليشيا حزب الله، التي نفذ لها أجندتها السياسية حين كان يتبوأ منصب وزير الخارجية، واكتسب عداء مع المحيط العربي، في وقتٍ لم يحصل من الحزب على قيد أنمله، بما في ذلك التقدير السياسي والشخصي.

في مجمل القول؛ هذه لبنان.. دولة تعاني من فشل القانون، وعلى موعدٍ مؤكد مع مستقبلٍ مجهول على الصعيد الإنساني والاجتماعي، والسياسي والاقتصادي، فقد استبدلت جلدها من بقعة كانت منبعًا للكلمة الحرة، والصورة الجاذبة، إلى مصدر ألم لكل لبناني، وباتت جُرحًا داميًا يعاني منه كل اللبنانيين، وربما العرب، والمحيط.

لماذا؟

لأنهم حولوها من مزرعة للورود إلى بستان ينعم بالكراهية والأحقاد والثأرات؛ ليكتشف من يأتي لها بالحلول بأن هذه الدولة تعاني انتشار التوابيت.. وأنين الأمهات والأطفال، وتذهب حلولهم إلى «الثلاجة»، ما لم يوضع زعيم حزب الله في «الثلاجة».