حسين أحمد أمين

انطلقت الصيحات من منابر المؤسسات تعلن أن الصهيونية فكرة عنصرية ومبدأ عدواني للإنسانية، واجب محاربتها حفاظاً على الحضارة وسلامة للبشرية.

بذلت الإنسانية جهوداً مضنية في مراحل تاريخها الطويل من أجل تشييد صرح حضارتها العمرانية ووضع الأسس العرفية لتوفير الأمن والطمأنينة والسلام وليعيش الإنسان حياة حرة وكريمة. وقد أسهمت معظم شعوب الدنيا في بناء صرح هذه الحضارة الكبيرة، وكان للعرب نصيب وافر في وضع الأسس وإقامة ذلك البناء الشامخ، وحيث أسهم العرب في البناء العمراني والازدهار الثقافي والتقدم العلمي والارتقاء الفني، ولم يزل العرب ومنذ أن ظهروا على مسرح التاريخ يعملون بإخلاص من أجل تقدم الحضارة وسلامة الإنسانية.

إن الحضارة الإنسانية واجهت تحديات عنيفة خلال مسيرتها التاريخية من عنف بعض الأنظمة الاستبدادية، أو من ضعف ألم بتنظيم حضاري قائم، أو من إشباع غرائزهم وجشعهم أو تحقيق أطماعهم أو هجمات بربرية متغلغة قوضت مباهج الحضارة وحطمت أركانها العتيدة، ولكن أرى أن في حرق مدينة أريحا وغيرها من معالم التراث العربي في فلسطين قديماً تظهر بوادر العنف في تلك التعاليم التي احتوتها الصهيونية كمعتقد قدسي لها، أضف إلى ما انبنت عليه التربية اليهودية من غرس روح العقد والكراهية لكل أصحاب المعتقدات غير اليهودية، تلك التربية المبنية على العنصرية والشوفينية التي اعتمدتها الصهيونية أساساً في تربية النشء ورسم سياستها العامة.

الجرائم التي اقترفتها الصهيونية في حق الإنسانية وتدميرها للمثل الخلقية أصبحت اليوم حديث العصر وموضع اشمئزاز كل الناس، وليس ببعيد حادث دير ياسين حيث قامت العصابات الصهيونية وبوحي من تعاليمها بقتل الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال في تلك البقعة العربية، وتلت المذبحة مذابح أخرى في كل بقعة من أرض فلسطين، ومما يثبت أن هذه العصابات اللاإنسانية تعمل من أجل طمس حضارة شعب عريق أصيل وهو صاحب الحق الشرعي في أرضه، إن هذه العصابات تقوم بالعدوان على مقدساته الدينية ونهب تراثه الحضاري وتدمير مراكز آثاره، والسيطرة بالقوة والعنف على جميع ترابه وفرض إرادتها وأفكارها عليه، وهذه خريطة فلسطين أمامكم ترون أن الصهاينة يسيطرون على كل أجزاء فلسطين العربية، ومعظم هضبة الجولان، وهم يتحدون العالم والرأي العام العالمي، ولا يعيرون أي اهتمام لأي قرار تصدره هيئة الأمم المتحدة، وبهذا تكشف الصهيونية عن حقيقة كونها تنظيماً تغريبياً لا يؤمن بالاستقرار ولا يؤمن بالحضارة ولا يؤمن بالقيم والأعراف.

المؤرخ أرنولد توينبي عالج ظهور الصهيونية وسلوكيتها، وبيّن أيضاً جرائمها السافرة وبخاصة مذبحة دير ياسين حيث يقول: إن الجريمة التي ارتكبها الصهاينة ضد العرب الفلسطينيين والتي يمكن أن تقارن بالجرائم التي ارتكبها النازيون بحق اليهود من ذبح الرجال والنساء والأطفال في دير ياسين في اليوم التاسع من أبريل سنة 1948، هذه الجريمة التي عجلت بفرار العدد الكبير من السكان العرب من المناطق القريبة للقوات الصهيونية، ويقول تويش في مقال نشر في مجلة «صويش»، لقد هب العرب يطالبون بحقوقهم بجميع الوسائل ووقف العالم إلى جانبهم يؤيدهم ويدعمهم، وانطلقت الصيحات من منابر المؤسسات السياسية والثقافية تعلن أن الصهيونية فكرة عنصرية ومبدأ عدواني للإنسانية، واجب محاربتها ومقاطعتها وعزلها حفاظاً على الحضارة وسلامة للبشرية.

1977*

* كاتب ودبلوماسي مصري «1932 - 2014»