....
في مقال بعنوان «المتجول المنفرد: رحلات جازان - احتضان الضيافة الجنوبية» تناول «بول مايكل جاراميلو» Paul Michael Jaramillo، وهو صحفي أمريكي يكتب بانتظام سلسلة مقالات ميدانية وتقارير عن السفر والثقافة بعنوان «المتجول المنفرد» THE SOLO DRIFTER، تناول رحلة استكشافية شخصية في إمارة جازان، حيث يقول «اختبرت مستوىً من الضيافة لا يُضاهى. أكثر ما أدهشني هو أن هذا الدفء لم يقتصر على لحظة واحدة أو مكان واحد، بل كان في كل مكان»، ويذكر جاراميلة زيارته للقرية التراثية، عندما تجوّل بين منازلها التقليدية التي تُجسد حياة أهل جازان، ومنها ثلاثة رموز تاريخية: «البيت التهامي»، أو «عشّة الطين»، وهو رمز لبساطة وأناقة أسلوب الحياة التهامية، و«البيت الجبلي»، بعمارته المتينة المُصممة خصيصًا لتلائم بيئة الجبل ومقاومة عوامل التعرية الطبيعية، و«البيت الفرساني»، وهو تجسيد لجزيرة فرسان.
عمران المملكة
يزخر التراث العمراني في المملكة العربية السعودية بتنوّع العناصر المعمارية في مناطقها المختلفة وفقًا لخصائصها البيئية والمناخية، فالتراث المعماري للمملكة يعكس خلاصة خبرة سكانها مناطقها الممتدة في مواجهة تحديات البيئة الطبيعية، مما يجعل من بعض مبانيها العمرانية متحفًا قائمًا بذاته يدّل على أصالة هذا الشعب، وثرائه الفني، وتكيّفه مع ظروف البيئة والمناخ بطريقة ذكية وفعالة عن طريق الاستفادة من مواد البناء المتوفرة لإقامة منشآت خدمية تلبي حاجات حياته الأساسية بكل بساطة وجمال وإتقان.
ورغم التحوّل الهائل في أسلوب البناء من اعتماد على البني الأسمنتية وتنظيم السكن وفق معايير عصرية، فإنّ السعودي لم يتخل عن تراثه، بل لا يزال يحتفظ به –كالعشّة مثلًا– في حدائق منزله أو القرية السياحية في جازان التي تستقطب أبناء الجيل الجديد الذي لا يعرف تراث الأجداد كدلالة على الأصالة والتمسك بالتراث والفولكلور الشعبي.
البيت التهامي
يعد البيت التهامي أو «العشّة» أو «عشّة الطين» ذلك البناء الأشهر ورمز التراث الشعبي الأصيل فيها، المَعلم البارز لتراث تهامة المعماري الذي يفتخر به أبناء جازان.
وسنجيب على تساؤل يثيره البعض، بأنّ العشّة هي نموذج عمراني منقول من تراث العمران في شرقي إفريقيا، وهو تساؤل ساذج يتجاهل دور الإنسان ككل في اجتراح وإبداع حلولًا مكانية تناسبه أينما وُجد في بقاع الأرض دون أن ينتظر حضارات أخرى ليستعين بها لتدبر تلك الحلول، وسنكتشف أن نموذج «العشّة» أو «البيوت المخروطية» أو «البيوت المُقببة» منتشر في مختلف بقاع الأرض سواء في شرق ووسط وجنوب وغرب إفريقيا وفي بلاد الشام وتركيا، بل توجد نماذج منها في أمريكا والشمالية لدى السكان الأصليين وفي الهند، تختلف فيما بينها بمواد البناء والغرض والتصميم، كلٌ بحسب بيئته ومناخه، لنستنتج أن التراث البشري واحد وكل حضارة أو بيئة قامت بتصميم وإنشاء العمران الخاص بها بشكل متوازٍ ومستقل كأي معلم حضاري قديم قام به البشر في مناطق مختلفة كتهجين الحيوانات واستخدام العجلة عبر التاريخ البشري الطويل.
عمارة جازان
باختصار، تُصنف تضاريس إمارة جازان، إلى 3 مناطق رئيسية: السهل الساحلي والجزر، ومنطقة الأودية، ومنطقة جبال تهامة.
وتختلف المباني التقليدية في أرجاء جازان من مكان إلى آخر، وفقًا لمؤثرات بيئية وحضارية ولا سيما التضاريس والمناخ ومواد البناء. بحيث تكثر في منطقة السهول الساحلية العشّة (بيت القصب المخروطي) والعريشة (كوخ الطين الرباعي) والبيت الفرساني.
بينما نشاهد في وديان تهامة المباني الحجرية التقليدية، إضافةً إلى العشّة والعريشة، وفي منطقة تهامة الجبلية نجد المفتول والقرية والقرية المربعة، وهي أنواع من المباني الجبلية الحجرية.
وسنركز على «العشّة» في سهول جازان فقط، علمًا أنّ العريشة هي شبيهة عمومًا بالعشّة لكنها تختلف بالتصميم المربع بشكل خاص.
العشة
تتواجد «العشّة» أو عدد منها (العشوش) حسب حجم الأسرة في محيط سكني واسع «الدارة»، مسوّر بجدار من الخشب والقش (المشارج).
وتكون العشّة على شكل كوخ دائري بنصف قطر يتراوح بين 3 و5 أمتار مسقوف بالقش من طابق واحد، وتكون الغرفة الرئيسة فيها مُخصصة للمعيشة اليومية للجلوس والنوم. كذلك يبنى المطبخ (البنية) بعيدًا عن الكوخ (العشّة) ويحتوي موقد (التنور). كما توجد حظائر للماشية.
الواجهة الخارجية للعشّة مخروطية الشكل، بحيث يكون سقف العشّة من القش (السبل) ويتدلى على جوانبها من الخارج، ويستخدم لحفظ أدوات وأواني الاستخدام اليومي فوق أرفف داخلية وطاقات مغلقة، ويوجد موقد صغير لتحضير القهوة. وقد توجد سقيفة تُستخدم لشرب القهوة والشاي.
تصميميًا، الشكل المخروطي للعشّة يناسب مناخ المنطقة الحار الرطب فهي دافئة في الشتاء وباردة في الصيف وتكلفة بنائها مناسبة، إذ يسمح هذا التصميم بدخول أكبر قدر من الهواء، ويضمن لها تحمل العوامل الجوية والظروف المناخية القاسية لأطول فترة ممكنة.
على عكس الأسقف المسطحة، يمتاز الشكل الهرمي المحدب لسقف العشّة بكونه يعطي فرصة دائمة لتكوين ظلال على الجهة المعاكسة لاتجاه الشمس.
قد يصل ارتفاع سقف العشّة إلى 8 أمتار بحيث يمنع وصول الحرارة الناتجة عن الإشعاع من السقف لقاطني العشّة، إذ يرتفع الهواء الساخن، ويحلّ محله هواء بارد.
للعشّة مدخلان متعامدان وليسا متقابلين، أحدهما غربي، حيث تهب الرياح البحرية معظم السنة، بينما يسمح المدخل الآخر (شمالي أو جنوبي) بمرور تيار هوائي يُساعد بشكل كبير على توزيع الهواء داخل الكوخ، ويضمن تهوية الكوخ.
تبنى العشّة من أشجار الأراك والأثل والشورى والمض والمرخ والحلفاء والثمام، وجميعها معروف لدى سكان المنطقة، ويُطُلى النصف السفلي بطبقة من الطين والجص.
تشمل العناصر التزيينية التي تقوم بها غالبًا سيدات المنطقة نقوشًا على الجدران لصور طبيعية من البيئة المحلية. ويتمّ تعليق أطباق ملوَّنة كعناصر جمالية، ويتمّ تغطية الأرضية بطبقة من الطين عليها نقوش يدوية.
نماذج عالمية مشابهة
المساكن التقليدية المبنية بشكل مخروطي والتي تتميز بجدران طينية سميكة، وأسقف من القش، ومداخل دفاعية صغيرة، وتصميم داخلي لأماكن المعيشة، وتتسع للتخزين ومستلزمات الحياة اليومية هي تراث عالمي ريفي ينتشر بكثرة في مختلف الأصقاع، وتختلف فيما بينها بمواد البناء والأبعاد وببعض النواحي التصميمية الخاصة ببيئة ومناخ وعادات كل منطقة.
ففي غرب إفريقيا، مثل جمهوريتي بنين وتوغو يوجد ما يُسمى (تاتا سومبا) Tata Somba: وهي مبنية من التراب الممزوج بالقش وروث البقر، مع طلاء واقٍ من فاكهة محلية لعزل الجدران ضد الماء، وتتميز بمدخل واحد صغير في الطابق الأرضي لردع الغزاة، دون نوافذ للحماية من الرياح المحلية، وتتم التهوية من خلال مدخنة في السقف، مما يسمح بخروج دخان نيران الطهي، وغالبًا تكون الأسقف مخروطية الشكل من القش أو أسقفًا ترابية مسطحة ترتكز على عوارض خشبية.
بينما في شرق إفريقيا، نجد في أثيوبيا ما يُسمى بالـ(توكول) Toukoul، وهي منازل دائرية تقليدية جدرانها من الطين أو الخشب أو الحجر ويكون سقفها المخروطي الشكل مُغطى بالقش وبمواد محلية أخرى.
في تلال كينيا، توجد أكواخ (التايتا) Taita: وهي منازل دائرية ذات أسقف مخروطية من القش وجدران طينية تساعد في الحفاظ على درجة حرارة داخلية ثابتة.
بينما في جمهورية الكاميرون التي تقع وسط غرب إفريقيا، توجد أكواخ شعب «موسغوم» الطينية أو (تولك) Tolek، وتتصف بهياكل طويلة، مقببة، أو مخروطية الشكل، ذات شكل قوس سلسلي، تشبه خلايا النحل أو الأصداف، وتُبنى من طين مجفف بالشمس مضغوط، ماء، وقش.
إلى الجنوب في القارة الإفريقية، نجد أكواخ «شعب الزولو» في جمهورية جنوب إفريقيا، وتكون على شكل أكواخ مُقببة أو مخروطية ذات أسقف من القش.
في سوريا، ولا سيما في مناطقها الداخلية كريفي حلب وحماة الشرقيين، توجد المنازل التقليدية المًقببة والمخروطية الشكل وتُسمى «بيوت خلايا النحل»، وهي مبنية من الطين الممزوج بالقش أو التبن، وتبدأ من قاعدة مربعة وترتفع حوالي مترين ثم تأخذ الشكل الهرمي، لتنتهي بحجم متطاول من الأعلى يسمى «الطنطور».
توفر هذه الهياكل المبنية من الطوب اللبن عزلًا حراريًا ممتازًا، حيث تبقى باردة في الصيف ودافئة في الشتاء، بتصميم يسمح للهواء الساخن بالخروج من الأعلى. جعلتها الجدران السميكة المغطاة بالطين وغياب العوارض الخشبية حلًا سكنيًا مستدامًا ومتكيفًا مع المناخ.
بينما تنتشر شبيهتها في تركيا، وهي منازل تقليدية مُقببة ومخروطية الشكل مبنية من الطوب الطيني.
في الهند، نجد منازل (بهونجا) Bhunga التي تنتشر كثيرًا بولاية «غوجارات» على شكل أكواخ طين دائرية تتميز بأسقف مخروطية من القش.
بينما تُعرف المنازل التقليدية المُقببة أو المخروطية في أمريكا الشمالية، المصنوعة من الطين والقش، باسم (ويغوام) wigwams، وقد استخدمها مختلف الشعوب الأصلية، لا سيما في شمال شرق الولايات المتحدة ومناطق أخرى من الولايات المتحدة وكندا. كانت هذه الهياكل، المصنوعة من مواد مثل الأغصان واللحاء، وأحيانًا الطين أو التراب، شكلًا شائعًا للمأوى، وغالبًا ما كانت تُغطى بلحاء مشدود أو مواد أخرى متاحة.
وفي إيطاليا، يذخر التراث الريفي الإيطالي بمنازل (ترولي) Trulli، وهي عادةً مبانٍ دائرية مطلية بالجير، ذات أسقف مخروطية عالية مصنوعة من القش وغالبًا من طبقات من الحجر الجيري والملاط، توفر جدرانها السميكة عزلًا حراريًا ممتازًا، مما يحافظ على برودة الداخل صيفًا ودافئًا شتاءً.
تراث مهدد
العشّة تراث تهامي محلي يكاد ينقرض، ونجده في القرية التراثية في جازان وفي بعض الاستراحات والحدائق الخاصة. استنبطه السعوديون منذ القدم ليتلاءم مع احتياجاتهم العمرانية ويناسب مناخ سهول تهامة الساحلية ووديانها، تمّ استخدام المواد المحلية من طين وقش وقصب لإنشائها.
نجد هذا البناء المخروطي ذي المسقط الأفقي الدائري والمغطى بالقش في مختلف أنحاء العالم، ويختلف من بلد لآخر وفقًا للبيئة والمناخ وعمومًا يمتاز بضمان تهوية جيدة وتدفئة في الشتاء وبرودة في الصيف.
رغم تشابه البيوت المُقببة بمختلف أشكال السقوف سواء المغطاة بالمواد المحلية كالعشّة الجازانية والإفريقية والهندية، أو باللحاء كما في أمريكا الشمالية، أو بالطين كسوريا وتركيا، فإن العشّة السعودية تمتاز بمساحة أكبر وبسقف مرتفع وبسقف مائل يعطي فرصة دائمة لتكوين ظلال على الجهة المعاكسة لاتجاه الشمس بما يتناسب مع البيئة المحلية السعودية.
العشة التهامية
ـ كوخ دائري بنصف قطر يتراوح بين 3 و5 أمتار مسقوف بالقش من طابق واحد
ـ الغرفة الرئيسة فيه مُخصصة للمعيشة اليومية للجلوس والنوم
ـ يبنى مطبخ بعيدًا عن الكوخ (العشّة) ويحتوي موقد (التنور)
ـ الواجهة الخارجية للعشّة مخروطية الشكل سقفها من القش
ـ فيها أرفف داخلية وطاقات مغلقة لحفظ أدوات وأواني الاستخدام اليومي
ـ فيها موقد صغير لتحضير القهوة
ـ تصميمها المخروطي يناسب مناخ المنطقة الحار الرطب فهي دافئة شتاء وباردة صيفا
ـ قد يصل ارتفاع سقفها إلى 8 أمتار بحيث يمنع وصول الحرارة لقاطني العشّة
ـ لها مدخلان متعامدان وليسا متقابلين أحدهما غربي
ـ تبنى من أشجار الأراك والأثل والشورى والمض والمرخ والحلفاء والثمام
ـ تشمل العناصر التزيينية فيها نقوشًا على الجدران لصور طبيعية من البيئة المحلية.
في مقال بعنوان «المتجول المنفرد: رحلات جازان - احتضان الضيافة الجنوبية» تناول «بول مايكل جاراميلو» Paul Michael Jaramillo، وهو صحفي أمريكي يكتب بانتظام سلسلة مقالات ميدانية وتقارير عن السفر والثقافة بعنوان «المتجول المنفرد» THE SOLO DRIFTER، تناول رحلة استكشافية شخصية في إمارة جازان، حيث يقول «اختبرت مستوىً من الضيافة لا يُضاهى. أكثر ما أدهشني هو أن هذا الدفء لم يقتصر على لحظة واحدة أو مكان واحد، بل كان في كل مكان»، ويذكر جاراميلة زيارته للقرية التراثية، عندما تجوّل بين منازلها التقليدية التي تُجسد حياة أهل جازان، ومنها ثلاثة رموز تاريخية: «البيت التهامي»، أو «عشّة الطين»، وهو رمز لبساطة وأناقة أسلوب الحياة التهامية، و«البيت الجبلي»، بعمارته المتينة المُصممة خصيصًا لتلائم بيئة الجبل ومقاومة عوامل التعرية الطبيعية، و«البيت الفرساني»، وهو تجسيد لجزيرة فرسان.
عمران المملكة
يزخر التراث العمراني في المملكة العربية السعودية بتنوّع العناصر المعمارية في مناطقها المختلفة وفقًا لخصائصها البيئية والمناخية، فالتراث المعماري للمملكة يعكس خلاصة خبرة سكانها مناطقها الممتدة في مواجهة تحديات البيئة الطبيعية، مما يجعل من بعض مبانيها العمرانية متحفًا قائمًا بذاته يدّل على أصالة هذا الشعب، وثرائه الفني، وتكيّفه مع ظروف البيئة والمناخ بطريقة ذكية وفعالة عن طريق الاستفادة من مواد البناء المتوفرة لإقامة منشآت خدمية تلبي حاجات حياته الأساسية بكل بساطة وجمال وإتقان.
ورغم التحوّل الهائل في أسلوب البناء من اعتماد على البني الأسمنتية وتنظيم السكن وفق معايير عصرية، فإنّ السعودي لم يتخل عن تراثه، بل لا يزال يحتفظ به –كالعشّة مثلًا– في حدائق منزله أو القرية السياحية في جازان التي تستقطب أبناء الجيل الجديد الذي لا يعرف تراث الأجداد كدلالة على الأصالة والتمسك بالتراث والفولكلور الشعبي.
البيت التهامي
يعد البيت التهامي أو «العشّة» أو «عشّة الطين» ذلك البناء الأشهر ورمز التراث الشعبي الأصيل فيها، المَعلم البارز لتراث تهامة المعماري الذي يفتخر به أبناء جازان.
وسنجيب على تساؤل يثيره البعض، بأنّ العشّة هي نموذج عمراني منقول من تراث العمران في شرقي إفريقيا، وهو تساؤل ساذج يتجاهل دور الإنسان ككل في اجتراح وإبداع حلولًا مكانية تناسبه أينما وُجد في بقاع الأرض دون أن ينتظر حضارات أخرى ليستعين بها لتدبر تلك الحلول، وسنكتشف أن نموذج «العشّة» أو «البيوت المخروطية» أو «البيوت المُقببة» منتشر في مختلف بقاع الأرض سواء في شرق ووسط وجنوب وغرب إفريقيا وفي بلاد الشام وتركيا، بل توجد نماذج منها في أمريكا والشمالية لدى السكان الأصليين وفي الهند، تختلف فيما بينها بمواد البناء والغرض والتصميم، كلٌ بحسب بيئته ومناخه، لنستنتج أن التراث البشري واحد وكل حضارة أو بيئة قامت بتصميم وإنشاء العمران الخاص بها بشكل متوازٍ ومستقل كأي معلم حضاري قديم قام به البشر في مناطق مختلفة كتهجين الحيوانات واستخدام العجلة عبر التاريخ البشري الطويل.
عمارة جازان
باختصار، تُصنف تضاريس إمارة جازان، إلى 3 مناطق رئيسية: السهل الساحلي والجزر، ومنطقة الأودية، ومنطقة جبال تهامة.
وتختلف المباني التقليدية في أرجاء جازان من مكان إلى آخر، وفقًا لمؤثرات بيئية وحضارية ولا سيما التضاريس والمناخ ومواد البناء. بحيث تكثر في منطقة السهول الساحلية العشّة (بيت القصب المخروطي) والعريشة (كوخ الطين الرباعي) والبيت الفرساني.
بينما نشاهد في وديان تهامة المباني الحجرية التقليدية، إضافةً إلى العشّة والعريشة، وفي منطقة تهامة الجبلية نجد المفتول والقرية والقرية المربعة، وهي أنواع من المباني الجبلية الحجرية.
وسنركز على «العشّة» في سهول جازان فقط، علمًا أنّ العريشة هي شبيهة عمومًا بالعشّة لكنها تختلف بالتصميم المربع بشكل خاص.
العشة
تتواجد «العشّة» أو عدد منها (العشوش) حسب حجم الأسرة في محيط سكني واسع «الدارة»، مسوّر بجدار من الخشب والقش (المشارج).
وتكون العشّة على شكل كوخ دائري بنصف قطر يتراوح بين 3 و5 أمتار مسقوف بالقش من طابق واحد، وتكون الغرفة الرئيسة فيها مُخصصة للمعيشة اليومية للجلوس والنوم. كذلك يبنى المطبخ (البنية) بعيدًا عن الكوخ (العشّة) ويحتوي موقد (التنور). كما توجد حظائر للماشية.
الواجهة الخارجية للعشّة مخروطية الشكل، بحيث يكون سقف العشّة من القش (السبل) ويتدلى على جوانبها من الخارج، ويستخدم لحفظ أدوات وأواني الاستخدام اليومي فوق أرفف داخلية وطاقات مغلقة، ويوجد موقد صغير لتحضير القهوة. وقد توجد سقيفة تُستخدم لشرب القهوة والشاي.
تصميميًا، الشكل المخروطي للعشّة يناسب مناخ المنطقة الحار الرطب فهي دافئة في الشتاء وباردة في الصيف وتكلفة بنائها مناسبة، إذ يسمح هذا التصميم بدخول أكبر قدر من الهواء، ويضمن لها تحمل العوامل الجوية والظروف المناخية القاسية لأطول فترة ممكنة.
على عكس الأسقف المسطحة، يمتاز الشكل الهرمي المحدب لسقف العشّة بكونه يعطي فرصة دائمة لتكوين ظلال على الجهة المعاكسة لاتجاه الشمس.
قد يصل ارتفاع سقف العشّة إلى 8 أمتار بحيث يمنع وصول الحرارة الناتجة عن الإشعاع من السقف لقاطني العشّة، إذ يرتفع الهواء الساخن، ويحلّ محله هواء بارد.
للعشّة مدخلان متعامدان وليسا متقابلين، أحدهما غربي، حيث تهب الرياح البحرية معظم السنة، بينما يسمح المدخل الآخر (شمالي أو جنوبي) بمرور تيار هوائي يُساعد بشكل كبير على توزيع الهواء داخل الكوخ، ويضمن تهوية الكوخ.
تبنى العشّة من أشجار الأراك والأثل والشورى والمض والمرخ والحلفاء والثمام، وجميعها معروف لدى سكان المنطقة، ويُطُلى النصف السفلي بطبقة من الطين والجص.
تشمل العناصر التزيينية التي تقوم بها غالبًا سيدات المنطقة نقوشًا على الجدران لصور طبيعية من البيئة المحلية. ويتمّ تعليق أطباق ملوَّنة كعناصر جمالية، ويتمّ تغطية الأرضية بطبقة من الطين عليها نقوش يدوية.
نماذج عالمية مشابهة
المساكن التقليدية المبنية بشكل مخروطي والتي تتميز بجدران طينية سميكة، وأسقف من القش، ومداخل دفاعية صغيرة، وتصميم داخلي لأماكن المعيشة، وتتسع للتخزين ومستلزمات الحياة اليومية هي تراث عالمي ريفي ينتشر بكثرة في مختلف الأصقاع، وتختلف فيما بينها بمواد البناء والأبعاد وببعض النواحي التصميمية الخاصة ببيئة ومناخ وعادات كل منطقة.
ففي غرب إفريقيا، مثل جمهوريتي بنين وتوغو يوجد ما يُسمى (تاتا سومبا) Tata Somba: وهي مبنية من التراب الممزوج بالقش وروث البقر، مع طلاء واقٍ من فاكهة محلية لعزل الجدران ضد الماء، وتتميز بمدخل واحد صغير في الطابق الأرضي لردع الغزاة، دون نوافذ للحماية من الرياح المحلية، وتتم التهوية من خلال مدخنة في السقف، مما يسمح بخروج دخان نيران الطهي، وغالبًا تكون الأسقف مخروطية الشكل من القش أو أسقفًا ترابية مسطحة ترتكز على عوارض خشبية.
بينما في شرق إفريقيا، نجد في أثيوبيا ما يُسمى بالـ(توكول) Toukoul، وهي منازل دائرية تقليدية جدرانها من الطين أو الخشب أو الحجر ويكون سقفها المخروطي الشكل مُغطى بالقش وبمواد محلية أخرى.
في تلال كينيا، توجد أكواخ (التايتا) Taita: وهي منازل دائرية ذات أسقف مخروطية من القش وجدران طينية تساعد في الحفاظ على درجة حرارة داخلية ثابتة.
بينما في جمهورية الكاميرون التي تقع وسط غرب إفريقيا، توجد أكواخ شعب «موسغوم» الطينية أو (تولك) Tolek، وتتصف بهياكل طويلة، مقببة، أو مخروطية الشكل، ذات شكل قوس سلسلي، تشبه خلايا النحل أو الأصداف، وتُبنى من طين مجفف بالشمس مضغوط، ماء، وقش.
إلى الجنوب في القارة الإفريقية، نجد أكواخ «شعب الزولو» في جمهورية جنوب إفريقيا، وتكون على شكل أكواخ مُقببة أو مخروطية ذات أسقف من القش.
في سوريا، ولا سيما في مناطقها الداخلية كريفي حلب وحماة الشرقيين، توجد المنازل التقليدية المًقببة والمخروطية الشكل وتُسمى «بيوت خلايا النحل»، وهي مبنية من الطين الممزوج بالقش أو التبن، وتبدأ من قاعدة مربعة وترتفع حوالي مترين ثم تأخذ الشكل الهرمي، لتنتهي بحجم متطاول من الأعلى يسمى «الطنطور».
توفر هذه الهياكل المبنية من الطوب اللبن عزلًا حراريًا ممتازًا، حيث تبقى باردة في الصيف ودافئة في الشتاء، بتصميم يسمح للهواء الساخن بالخروج من الأعلى. جعلتها الجدران السميكة المغطاة بالطين وغياب العوارض الخشبية حلًا سكنيًا مستدامًا ومتكيفًا مع المناخ.
بينما تنتشر شبيهتها في تركيا، وهي منازل تقليدية مُقببة ومخروطية الشكل مبنية من الطوب الطيني.
في الهند، نجد منازل (بهونجا) Bhunga التي تنتشر كثيرًا بولاية «غوجارات» على شكل أكواخ طين دائرية تتميز بأسقف مخروطية من القش.
بينما تُعرف المنازل التقليدية المُقببة أو المخروطية في أمريكا الشمالية، المصنوعة من الطين والقش، باسم (ويغوام) wigwams، وقد استخدمها مختلف الشعوب الأصلية، لا سيما في شمال شرق الولايات المتحدة ومناطق أخرى من الولايات المتحدة وكندا. كانت هذه الهياكل، المصنوعة من مواد مثل الأغصان واللحاء، وأحيانًا الطين أو التراب، شكلًا شائعًا للمأوى، وغالبًا ما كانت تُغطى بلحاء مشدود أو مواد أخرى متاحة.
وفي إيطاليا، يذخر التراث الريفي الإيطالي بمنازل (ترولي) Trulli، وهي عادةً مبانٍ دائرية مطلية بالجير، ذات أسقف مخروطية عالية مصنوعة من القش وغالبًا من طبقات من الحجر الجيري والملاط، توفر جدرانها السميكة عزلًا حراريًا ممتازًا، مما يحافظ على برودة الداخل صيفًا ودافئًا شتاءً.
تراث مهدد
العشّة تراث تهامي محلي يكاد ينقرض، ونجده في القرية التراثية في جازان وفي بعض الاستراحات والحدائق الخاصة. استنبطه السعوديون منذ القدم ليتلاءم مع احتياجاتهم العمرانية ويناسب مناخ سهول تهامة الساحلية ووديانها، تمّ استخدام المواد المحلية من طين وقش وقصب لإنشائها.
نجد هذا البناء المخروطي ذي المسقط الأفقي الدائري والمغطى بالقش في مختلف أنحاء العالم، ويختلف من بلد لآخر وفقًا للبيئة والمناخ وعمومًا يمتاز بضمان تهوية جيدة وتدفئة في الشتاء وبرودة في الصيف.
رغم تشابه البيوت المُقببة بمختلف أشكال السقوف سواء المغطاة بالمواد المحلية كالعشّة الجازانية والإفريقية والهندية، أو باللحاء كما في أمريكا الشمالية، أو بالطين كسوريا وتركيا، فإن العشّة السعودية تمتاز بمساحة أكبر وبسقف مرتفع وبسقف مائل يعطي فرصة دائمة لتكوين ظلال على الجهة المعاكسة لاتجاه الشمس بما يتناسب مع البيئة المحلية السعودية.
العشة التهامية
ـ كوخ دائري بنصف قطر يتراوح بين 3 و5 أمتار مسقوف بالقش من طابق واحد
ـ الغرفة الرئيسة فيه مُخصصة للمعيشة اليومية للجلوس والنوم
ـ يبنى مطبخ بعيدًا عن الكوخ (العشّة) ويحتوي موقد (التنور)
ـ الواجهة الخارجية للعشّة مخروطية الشكل سقفها من القش
ـ فيها أرفف داخلية وطاقات مغلقة لحفظ أدوات وأواني الاستخدام اليومي
ـ فيها موقد صغير لتحضير القهوة
ـ تصميمها المخروطي يناسب مناخ المنطقة الحار الرطب فهي دافئة شتاء وباردة صيفا
ـ قد يصل ارتفاع سقفها إلى 8 أمتار بحيث يمنع وصول الحرارة لقاطني العشّة
ـ لها مدخلان متعامدان وليسا متقابلين أحدهما غربي
ـ تبنى من أشجار الأراك والأثل والشورى والمض والمرخ والحلفاء والثمام
ـ تشمل العناصر التزيينية فيها نقوشًا على الجدران لصور طبيعية من البيئة المحلية.